اتفاقية مارا لاگو
اتفاقية مارا لاگو (Mar-a-Lago Accord)، هي اتفاقية مفترضة، تهدف منها الولايات المتحدة إلى إضعاف الدولار دعماً للصادرات وتعزيزاً لقطاع التصنيع. بدأ التفاوض حول هذه الاتفاقية في مارس 2025، أثناء الرئاسة الثانية لدونالد ترمپ. حتى مارس 2025، لم تُعلن عنها الحكومة الأمريكية رسمياً. تعتمد الفكرة الأساسية لهذه الاتفاقية، إلى سندات حكومية بدون فوائد تستحق بعد 100 سنة، لجذب استثمارات أجنبية طويلة الأجل. وأن تشتري الدول الحليفة للولايات المتحدة هذه السندات مقابل ضمانات أمنية أمريكية. أما الدول التي ترفض، فقد يتم إجبارها عبر التعريفات الجمركية أو سحب الضمانات الأمنية.[1]
خلفية
مقالات مفصلة: مؤتمر برتون وودز
- اتفاقية پلازا
في يوليو 1944 اجتمعت وفود 44 دولة حليفة لتنظيم النظام النقدي والمالي العالمي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.[2] نتيجة للمؤتمر، تم انشاء نظام بريتون وودز لإدارة سعر التحويل بين العملات، والذي ظل سارياً حتى أوائل عقد السبعينيات. عام 1985 توصلت الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة إلى اتفاقية پلازا والتي تهدف إلى إضعاف الدولار بعد أن أثر سلباً على الصناعة الأمريكية. نجح الاتفاق في خفض الدولار بنسبة 50% تقريباً خلال عامين. أدى إضعاف الدولار إلى استفادة الاقتصاد الأمريكي، لكنه أدى لاحقاً إعلى أزمة اقتصادية كبرى في اليابان.
الأسباب
هناك عدد من الأسباب التي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترمپ للسعي لهذه الاتفاقية، وأبرزها:
- تضخم العجز التجاري: عام 2024 بلغ العجز التجاري الأمريكي 1.2 تريليون دولار، مما يثير مخاوف ترمپ حول "نقل الثروة إلى الخارج".
- قوة الدولار تُضعف الصادرات الأمريكية: تجعل المنتجات الأمريكية أغلى في الأسواق العالمية، بينما تجعل السلع المستوردة أرخص.
- آراء المستشارين الاقتصاديين: ورقة بحثية نشرها ستيفن ميران، المرشح لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين، تشير إلى إمكانية تنفيذ خطة لإضعاف الدولار تدريجياً. لكن أي اتفاق دولي بهذا الخصوص سيواجه مقاومة سياسية واقتصادية عالمية، خاصة من البنوك المركزية الكبرى.
الآليات
بحسب الاتفاقية، التي أعدها الاقتصادي الأمريكي ستيفن ميران، ستصدر الحكومة سندات بدون فوائد تستحق بعد 100 سنة، لجذب استثمارات أجنبية طويلة الأجل. يقترض بعض المحللين مثل زولتان بوزار، أن تشتري الدول الحليفة للولايات المتحدة هذه السندات مقابل ضمانات أمنية أمريكية. أما الدول التي ترفض، فقد يتم إجبارها عبر التعريفات الجمركية أو سحب الضمانات الأمنية.
لكن هذه الفكرة محفوفة بالمخاطر فقد قد تؤدي إلى أزمة ثقة في سوق سندات الخزانة الأمريكية الذي يبلغ حجمه 29 تريليون دولار. وتعتمد السياسة التقليدية لوزارة الخزانة على إصدارات منتظمة، وأي تغيير مفاجئ قد يؤدي إلى تقلبات حادة في الأسواق المالية.
رغم أن الدولار الأضعف قد يفيد الصادرات الأمريكية، إلا أن هناك تداعيات سلبية محتملة؛ منها ارتفاع تكاليف الواردات، مما قد يؤدي إلى زيادة التضخم، تقليل جاذبية الاستثمارات الأجنبية، حيث يفضل المستثمرون الأصول الأمريكية بسبب قوتها، قد يدفع المستثمرين الدوليين إلى البحث عن بدائل مثل اليورو أو الين، مما قد يضعف مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية.
تحليل
تعتبر اتفاقية مارا لاجو من وجهة نظر الكثير من الاقتصاديين، ومنهم مارك سوبل، المسؤول السابق رفيع المستوى في وزارة الخزانة الأمريكية، "بعيدة المنال وغير معقولة". ذا نظرنا إلى الأمر من خلال منظور الفكر الاقتصادي السائد في الآونة الأخيرة، فسنجد أن هناك رياحاً معاكسة هائلة. فأولا، تتعارض التدخلات المشتركة في العملة مع أفكار السوق الحرة، وفي السنوات الأخيرة أصبحت غير عصرية. ثانياً، يشير التاريخ إلى أن التدخل ينجح على أفضل نحو مع الحلفاء الموثوق بهم. وقد تجلى هذا في اتفاقية پلازا. لكن الزعماء الفرنسيين يشيرون بالفعل إلى مقاومتهم للاستجابة للعطاءات المالية التي تقدمها واشنطن. وبوسع الصين أن تكون أكثر عدائية. ثالثاً، تعمل التعريفات الجمركية عادة على تقوية العملات. والواقع أن سكوت بسنت، وزير الخزانة في رئاسة ترمپ الثانية، صرح لمعهد منهاتن عام 2024 إن ثلثي أي تأثير ناجم عن التعريفات الجمركية كان يظهر عادة في مكاسب العملة. وهذا يجعل خفض قيمة العملة يبدو متناقضاً. رابعاً، إذا تسببت التعريفات الجمركية في انهيار سوق الأوراق المالية و/أو ركودهاــ وهو أمر يبدو مرجحاً للغاية ــ فقد يكون هناك رد فعل شعبوي. وقد يكبح هذا طموحات ترمپ الجامحة، أو هكذا يأمل البعض. إلا أن فريق ترمپ الاقتصادي يتبنى فلسفة مختلفة جذرياً عن عالم السياسة السائد في السنوات الأخيرة، لدرجة أنهم يفسرون هذه القضايا الأربع بشكل مختلف. من ناحية، هم لا يعتبرون تدخلات السياسة المالية رجعية، بل إنها ضرورية إذا كانوا يريدون فرض إعادة تنظيم كبرى للتمويل والتجارة العالمية. ولكي نفهم هذا، فلنتأمل مقالاً لابد من قراءته كتبه ستيفن ميران، الذي اختاره ترمپ لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين.[3]
لكن مستشاري ترمپ ليسوا جميعهم خائفين من هبوط أسواق الأسهم أو الركود كما يأمل بعض المنتقدين. بل على العكس من ذلك، كانوا يعرفون دائماً أن التعريفات الجمركية سوف تطلق العنان لبعض الألم الاقتصادي الأولي ويريدون التخلص من هذا في وقت مبكر من رئاسة ترمپ الثانية. والواقع أن بعض المسؤولين يرون في الواقع جانباً إيجابياً. فهم يعتقدون أن الصدمة الركودية ستجبر البلدان الأخرى على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشكل أسرع وخفض أسعار الفائدة الأمريكية، في حين أن انخفاض أسعار الأصول من شأنه أن يوازن بين التمويل المفرط الذي أضر بالاقتصاد الأمريكي، وخاصة إذا كان ضعف الدولار يعزز الصناعة.
يقول زولتان بوزار، مؤسس ورئيس شركة إكس أونو بلوريز للأبحاث، والذي نشر تقرير مارا لاجو الذي استشهد به ميران: "إن فريق ترمپ يهتم بالاقتصاد الحقيقي على الأمد المتوسط إلى الطويل أكثر بكثير من الاقتصاد المالي على الأمد القريب. الأمر يتعلق بالشارع الرئيسي، وليس وول ستريت". ثالثاً، في حين يحذر مقال ميران من أن التعريفات الجمركية قد تعزز الدولار في البداية، فإنه يعتقد أن واشنطن قادرة على تعويض هذا. وذلك لأن مفهوم مارا لاجو لا يتعلق فقط بالعملات. فبدلا من ذلك، هناك فكرة واحدة تدور حول "تشجيع" الدول الأخرى على مبادلة حيازاتها من الدولار أو سندات الخزانة قصيرة الأجل أو حتى الذهب بسندات دولارية طويلة الأجل أو دائمة مناسبة لصفقات إعادة الشراء في بنك الاحتياطي الفيدرالي. ويعتقد البعض أن هذا من شأنه أن يخفف الضغوط المالية على الولايات المتحدة، مع الحفاظ على هيمنة النظام المالي القائم على الدولار ــ وتمكين واشنطن من إضعاف العملة. أو كما قال بسنت عام 2024، فإن خفض قيمة الدولار والهيمنة ليسا هدفين "متعارضين". رابعاً، حتى لو كانت تصرفات ترمپ تؤدي إلى تنفير الحلفاء، فإن مستشاريه يأملون في فرض الامتثال لأي اتفاق من خلال الصدمات الجمركية وغيرها من التهديدات. وبشكل أكثر تحديدا، يقول بسنت إن ترمپ سيطلب من الحكومات الأخرى وضع نفسها في صناديق "حمراء" و"خضراء" و"صفراء" - أي اختيار أن تكون أعداء أو أصدقاء أو لاعبين متجاورين. سحتصل دول الصناديق الخضراء على الحماية العسكرية والإعفاء من الرسوم الجمركية، ولكن لابد أن تتبنى اتفاقية عملة. وقد تبرم بعض دول الصناديق الصفراء ــ أو حتى الحمراء ــ صفقات معاملاتية. وربما تكون هناك مرحلتان مع مارا لاجو، على حد قول التفكير: واحدة مع الحلفاء والثانية مع آخرين.
المصادر
- ^ "اتفاق "مار إيه لاغو".. هل يغير مسار الدولار الأمريكي؟". murakkab.net. 2025-03-01. Retrieved 2025-03-09.
- ^ Donald Markwell, John Maynard Keynes and International Relations: Economic Paths to War and Peace, Oxford University Press, 2006
- ^ "What a Mar-a-Lago accord could look like". فايننشال تايمز. 2025-03-07. Retrieved 2025-03-09.