كعبة ذو الخلصة

(تم التحويل من Demolition of Dhul Khalasa)
أطلال كعبة ذو الخلصة.
أساطير الهلال الخصيب
سلسلة
Palm tree symbol.svg
أساطير بلاد الرافدين
أساطير عربية قديمة
الأساطير المشرقية القديمة
الآلهة العربية قبل الإسلام

ذو الخلصة، هي كعبة بها إلهة صنم كانت تعبدها وتحج إليها العرب في الجاهلية، كان يقف في محافظة المندق في منطقة الباحة بالسعودية. كما كانت الناس تقصد هذا الإله لاستطلاع الغيب عن طريق الأزلام أي ضرب القداح داخل كعبته على غرار ما عرف عن المعبود هُبَل في كعبة مكّة.[1] كان يطلق عليها الكعبة اليمانية تفريقاً لها عن الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، والتي كان يطلق عليها "الكعبة الشامية"، وبني ذو الخلصة رجل كان يطلق عليه طاغية دوس وكان غرضه من ذلك صرف الناس عن الكعبة المشرفة واجتذابهم إلى قبيلته. وبعد البعثة، أرسل النبي محمد جرير بن عبد الله البجلي حين أسلم إلى ذي الخلصة لهدمها، فأخذ معه 150 رجلاً من قبيلة أحمس وقام بتخريب المبنى وحرقه وتدمير الصنم الذي كان قائماً أمامها، إلا أنه يبدو أن المبنى لم ينهار بشكل كامل. وبعد عصر النبوية، ظل مبنى كعبة ذي الخلصة قائماً، حيث حوله المسلمون إلى مسجد للصلاة طيلة عدة قرون، ولاحقاً أطلق عليه اسم مسجد تبالة.[2]

من القبائل التي كانت تحج وتعظم الخلصة قبائل دوس وبجيلة وخثعم وأزد السراة وبنو الحارث بن كعب وجرهم وزبيد والغوث بن مر بن أد وبنو هلال.[3] وكان لهذا المعبد بيت يسمى الكعبة اليمانية، وحرمه محاط بسور حجري دائري كان يستخدم في حراسة المعبد.[4] يُنسب تشييده إلى عمرو بن لحي.

التسمية

أطلال كعبة ذو الخلصة.

الخلص في اللغة نبات طيب الريح يتعلق بالشجر له حب كعنب الثعلب. وذو الخلصة بضم الخاء واللام في قول ابن إسحاق، وبفتحهما في قول ابن هشام.[5] وجمع الخلصة خلص. وقيل أنّ اسمه مشتقّ من إخلاص عِباده/عُبّاده له إذ "معناه في تسميتهم له بذلك أنّ عُبَّاده والطّائفين به خَلَصَةٌ".[6] كان يسمى الكعبة اليمانية والبيت الحرام كان يسمى بالكعبة الشامية.

يظهر من خلال رثاء امرأة من قبيلة خثعم لذي الخلصة حين هدمه وأحرقه جرير بن عبد الله، أن "الخلصة" كان صنما أنثى، أي إلهة، ولذلك قيل له "الولية":

وَبَنُو أُمَامَةَ بِالْوَلِيَّةِ صُرِّعُوا ثُمْلا يُعَالِجُ كُلُّهُمْ أُنْبَوبَا
جَاءُوا لِبَيْضَتِهِمْ فَلاقَوْا دُونَهَا أُسْدًا تَقُبُّ لَدَى السُّيُوفِ قَبِيبَا
قَسَمَ الْمَذَّلَةِ بَيْنَ نِسْوَةِ خَثْعَمٍ فِتْيَانُ أَحْمَسَ قِسْمَةً تَشْعِيبَا[7]

وفي نصوص أهل الأخبار نجد ما يؤيد هذا الرأي، فقد استعملوا ضمير التأنيث للتعبير عنها، كما قالوا فيه "المروة البيضاء". وأما تعبيرهم عنه بضمير التذكير، مثل قولهم "وكان"، فإنهم أرادوا بذلك لفظ "صنم" فذكَّروه.[8]

الموقع

يطل موقع ذو الخلصة على إقليم الحجاز في أرض جباية عالية تسمى بلاد دوس أرض قبائل زهران. التابعة لمحافظة المندق اليوم.

الطقوس

كان الطواف حول ذو الخلصة يشبه شيئا ما الطواف الذي كان يتم في مكة في العصر الجاهلي، عندما كان الحجر الأسود داخلها. كانت تقدم العرب لذو الخلصة الهدايا كالشعير والحنطة ويصبون عليه اللبن ويذبحون له القرابين.[9] ويقصدونه للاستقسام عنده بالأزلام.

يروي أن امرؤ القيس بن حجر، بعد أن اغتال بني أسد بنجد أباه الذي كان أميرهم، حلف أن لا يغسل رأسه ولا يشرب خمراً حتى يدرك ثأره من بني أسد ويسترجع ملكه الضائع،[10] استقسم بالأزلام عند ذو الخلصة حين وترته بنو أسد بقتل أبيه، حيث استقسم عند الصنم بثلاثة أزلام وهي الزاجر والآمر والمتربص[11] فخرج له الزاجر فسب الصنم ورماه بالحجارة وقال له اعضض ببظر أمك.

التاريخ

الجاهلية

الدرب المؤدي إلى كعبة ذو الخلصة.

كان لعرب الجاهليّة بيوتات عبادة مشهورة باسم "الكعبات" نظرا لشكلها المكعّب، يذهب بعض الباحثين إلى أنّ عددها 21 كعبة، من بينها "كعبة اللاّت" بالطّائف و"كعبة غطفان" و"كعبة نجران" و"كعبة شدّاد الأياديّ" و"كعبة رئام"…، ولعلّ أشهرها إطلاقا "الكعبة الشّاميّة" المعروفة باسم "كعبة مكّة"[12]. وكانت العرب تهدي الذّبائح لتلك البيوت وتزورها لتطوف بها وتستقسم عندها بالأزلام في محاولة استكناه ما يخبّئه الغيب.[13]

رغم أن شهرة "كعبة مكّة" قد غطّت على بقيّة البيوتات، فإنّ الأخبار لم تهمل الإشارة إلى "كعبة ذي الخلصة" المعروفة أيضا باسم "الكعبة اليمانيّة" تمييزا لها عن "كعبة مكّة" الشّاميّة.[12] و"الكعبة اليمانيّة" بيت مربّع على سفوح جبال الحجاز بين مكّة واليمن كان في الجاهليّة قبلة ومحجّة لقبائل خثعم وبجيلة ودوس وما جاورها من سكّان منطقة "تبالة" اليمنيّة،[14] وقد كان مخصّصا لعبادة الإله "ذي الخَلَصة" ممثّلا بمروة (صخرة من الرّخام) بيضاء منقوش عليها كهيئة التّاج،[15].

بعد الإسلام

أطلال كعبة ذو الخلصة.

لما فتح رسول الله مكة وأسلمت العرب ووفدت عليه وفودها، في حدود السّنة العاشرة للهجرة قدم عليه جرير بن عبد الله مسلماً، فعرض عليه رسول الإسلام مهمة هدم الكعبة اليمانية بيت الإله ذو الخلصة، فوافق وخرج حتى أتى بني أحمس من بجيلة فسار بهم إلى خثعم وقتل مائتين من بني قحافة بن عامر بن خثعم، بعد أن خاض البجلي وجماعته قتال شديد ضد قبائل خثعم وباهلة التي كانت تدافع عن معبدها، فظفر بهم وهزمهم وهدم بنيان ذي الخلصة وأضرم فيه النار.[16] وقتل من فيه من حراس وسدنته.

بعد وفاة رسول الإسلام ارتدت قبائل عدّة من الأزد، كأزد عُمان الذين أرسل إليهم أبو بكر الصدّيق حُذيفة بن محصن وعرفجة البارقي وعكرمة بن أبي جهل، فكانت الغلبة للمسلمين.

بعدها جمّع قومٌ مِنَ الأزد مع بجيلة وخثعم بشنوءة مِنْ أرض اليمن بقيادة حميضة بن النعمان البارقي، وارتدوا عن الإسلام، فبعَثَ إليهم عاملُ الطائف بعثاً التقى بهم في شنوءة، فشتت جموعهم وفرّقهم عن حُميضة.[17]

المسجد

كان مبنى كعبة ذو الخلصة من الضخامة بحيث لم يستطع من توجهوا لهدمه على تسويته بالأرض، أو أنهم لم يريدوا سوى تدمير الصنم وتخريب المبنى، وبقى قائماً حتى بدايات القرن العشرين، حيث حوله المسلمين إلى مسجد، أُطلق عليه مسجد تبالة، وأقيمت في الصلات لقرون، فهذا ابن الكلبيّ يشير خلال القرن الثّاني للهجرة إلى أنّ "ذا الخلصة اليوم عتبة مسجد تبالة"،[18] بل وتحوّل على ما ينقل ياقوت الحمويّ عن أبي العبّاس المبرّد وهو من رجالات القرن الثّالث إلى "مسجد جامع".[19] يرجح بعض الباحثين أن نبي الإسلام اكتفى من خلال ابتعاث سريّة عبد الله البجليّ بحرق صنم "ذي الخلصة" دون تدمير بنيانه. يميل إلى هذا الرأي الباحث رشدي صالح ملحس، ففي حاشية له في كتاب "أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار" للأزرقيّ ما يفيد هذا التّرجيح بل ويؤكّده، فهو يقول: "والذي يبدو لنا أنّ البجليّ لم يقو على هدم بنيان ذي الخلصة كلّه لضخامته، أو إنّه اكتفى بهدم قسم منه أو بهدم الأوثان التي كانت فيه"، ثمّ يشير إلى تواصل وجود البنيان إلى حدود القرن الماضي قبل تهديمه من قبل آل سعود موردا شهادات حول الواقعة.

عندما اضطربت الأوضاع الأمنية في شبه الجزيرة العربية نتيجة الصراعات السياسية، ساد الفقر الشديد بين القبائل العربية، وفي ظل هذه الظروف، لجأ الكثيرون للزهد والتنسك والرجوع إلى الله، فيما قامت قلة بالانقلاب والعودة إلى حياة الجاهلية وإعادة إحياء البدع والخرافات، حيث عادت للتمسح بالأحجار والأشجار. كانت قبيلة دوس ومن جاورها من القبائل، في طليعة القبائل التي أحيت هذه المظاهر، حتى أنهم توجهوا إلى مسجد تبالة، وأحيوا فكرة كونه كعبة، وأخذوا في التمسح به والنحر عنده والدعاء أمام حجارته والطواف حوله. عندما استقرت الأوضاع في يد عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الحالية، طلب منه بعض رجال الدين عام 1925 بإرسال حملة عسكرية مصغرة لهدم كعبة ذي الخلصة وتسويتها بالأرض. وقال أحد الذين شاركوا في عملية الهدم، إن بنيان تلك الكعبة كان قوياً، بحيث لا يقدر على نقل الحجر الواحد إلا عشرات الرجال، وحتى الآن لاتزال أطلال تلك الكعبة باقية في مساحة لا تتجاوز 300 متر.

العصر الحديث

يَذْكُرُ محقق كتاب أخبار مكّة للأزرقي، أنّ قبائل دوس ومَنْ جاورها كانت تُعظّم في بدايات القرن العشرين، بيتَ ذي الخلَصَة وتنحَرُ عنده. حيث خصص رشدي صالح ملحس فقرة تحت عنوان "اضطراب الأمن والرّجوع إلى ذي الخلصة" للتّعليق على مسألة "ذي الخلصة":

Cquote2.png لمّا اضطرب حبل الأمن في جزيرة العرب في العصور الأخيرة وافتقد القاطنون فيها الرّاحة والطّمأنينة، وساد الفقر والإملاق في البلاد، أحسّت النّفوس بالرّغبة في التبتّل والتنسّك، وشعرت الأرواح بالحاجة إلى ملجأ تفزع إليه، فانقلبت إلى حياتها الجاهليّة الأولى بالتمسّك بالبدع والخرافات، وعادت إلى التمسّح بالأحجار والأشجار. وكانت دوس ومن يجاورها من القبائل في الطّليعة فرجعت إلى ذي الخلصة تتمسّح بها، وتهدي لها وتنحر عندها Cquote1.png

بعدها تم إزالته عند بزوغ الدولة السعودية بين 1341 هـ و 1344 هـ / 1921م 1925م بأمر من الملك عبد العزيز، بعد أن استولى على الحكم، منتدباً فيها الأمير عبد العزيز آل إبراهيم، حيث سيّر إليهم حملةً هدمت البيت ورَمَتْ بأنقاضه إلى الوادي، وذَكَرَ أحدُ الذين شاركوا في هذه الحملة أنّ بُنيان ذي الخلصة كان قوياً، بحيث لا يقدر على زحزحة الحجر الواحد إلا عشرات الرجال وإنّ متانته تدلّ على مهارة وحذق في البناء ".[20]

في الأحاديث النبوية

بحسب الأحاديث الإسلامية أن ذا الخلصة سيُعبد في آخر الزمان، حيث قال محمد بن عبد الله : لن تقوم الساعة حتى تصطفق (وقيل "تصطك") أليات نساء بني دوس وخثعم حول ذي الخلصة ".

و قيل اضطراب الأليات ليصف قوة الحرص على السعي حول ذلك الصنم الذي كان يعبد حتى حرص النساء إلى أن تضطرب أعضاؤهن لشدة الحركة.[21] والمقصود به هو أن نساء قبيلة دوس سيركبن الدواب من البلدان إلى الصنم المذكور، فهو المراد باضطراب ألياتهن. ويحتمل أن يكون المراد أنهن يتزاحمن بحيث تضرب عجيزة بعضهن الأخرى عند الطواف حول الصنم المذكور.

روايات

يقول ابن الأثير الجزري عن الصحابي جرير بن عبد الله:[22]

Cquote2.png " وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي الخلصة وهي بيت فيه صنم لخثعم ليهدمها فقال :- إني لا أثبت على الخيل، فصك رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال " اللهم اجعله هادياً مهدياً فخرج في مائة وخمسين راكباً من قومه فأحرقها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لخيل أحمس ورجالها ". أخرجه ابن حبان في صحيحه وقال : " ذو الخلصة بيت كان لخثعم في الجاهلية يسمى الكعبة اليمانية وكان ذلك قبل وفاة جرير سنة إحدى وخمسين وقيل أربع وخمسين للهجرة ". Cquote1.png

و في معجم البلدان لياقوت الحموي:[23]

Cquote2.png الخلصة بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة وهو صنم لهم فأحرقه جرير بن عبد الله البجلي حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ". وقيل هو الكعبة اليمانية التي بناها إبراهيم بن الصباح الحميري وكان فيه صنم يدعى الخلصة فهدم وقيل كان ذو الخلصة يسمى الكعبة اليمانية والبيت الحرام الكعبة الشامية وقال ابن حبيب في مخبره :- كان ذو الخلصة بيتاً تعبده بجيلة وخثعم والحارث بن كعب وجرم وزبيد والغوث بن مر بن أد وبنو هلال ابن عامر " وقال المبرد :- " موضعه اليوم مسجد جامع لبلدة يقال لها العبلات من أرض خثعم ".

وقال أبو المنذر :- " ومن أصنام العرب ذو الخلصة وكانت مروة بيضاء منقوشة عليها كهيئة التاج وكانت بتبالة بين مكة واليمن على مسير سبع ليال من مكة وكان سدنتها بني أمامة من بأهلة بن أعصر وكانت تُعظمها وتهدي لها خثعم وبجيلة وأزد السراة ومن قاربهم من بطون العرب ومن هوازن.".

Cquote1.png

المصادر

  1. ^ أخبار مكّة، ج 1، ص 117
  2. ^ ""ذو الخلصة".. آخر كعبة وثنية ظل يحج إليها العرب حتى عام 1925". آراب لايت. 2018-03-03. Retrieved 2025-05-26.
  3. ^ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، (1/3434)
  4. ^ حرب ضروس تخوضها الآثار في السعودية لتبقى شاهدة على التاريخ مهندس، تاريخ الولوج 31 ماي 2012
  5. ^ ذو الخلصة وفلس ورضاء وذو الكعبات سيرة الإسلام، تاريخ الولوج 6 يناير 2010
  6. ^ معجم البلدان، ج 3، ص 453
  7. ^ كتاب الأصنام لهشام الكلبي إسلام ويب
  8. ^ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، المؤلف : الدكتور جواد علي، الناشر : دار الساقي، الطبعة : الطبعة الرابعة 1422هـ/ 2001م عدد الأجزاء : 20 جزءا، (11/273)
  9. ^ ابن الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي: أخبار مكة ،المصدر السابق،ص124.
  10. ^ امرؤ القيس الموسوعة العربية، اريخ الولوج 4 سبتمبر 2010
  11. ^ جواد علي: أصنام العرب،المصدر السابق، ص34.
  12. ^ أ ب الإكليل، ص 84
  13. ^ سيرة ابن هشام، ج 1، ص 85
  14. ^ سيرة ابن هشام، ج 1، ص 30
  15. ^ الأصنام، ص 34
  16. ^ الطّبقات الكبرى، ج1، ص 347
  17. ^ الموسوعة العربية ج2 صـ9
  18. ^ كتاب الأصنام، ص 34
  19. ^ معجم البلدان، ج 3، ص 454
  20. ^ أخبار مكّة، ج 1، ص 381
  21. ^ ابن الجوزي في كشف المشكل ج3/ص324
  22. ^ كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري -المعجم الأول ص 357
  23. ^ معجم البلدان لياقوت الحموي - المجلد الثاني ص 383