أخبار:وفاة ديفيد هيرست الصحفي البريطاني المحب للعرب
- وفاة الصحفي البريطاني المحب للعرب ديڤد هيرست عن عمر يناهز 89 عاماً.
في 22 سبتمبر 2025 توفي الصحافي البريطاني ديڤد هيرست عن عمر يناهز 89 عاماً، بعد مسيرة امتد لقرابة نصف قرن شكل خلالها اسمه كواحداً من أبرز المراسلين والمحللين الغربيين لشؤون الشرق الأوسط. لم يكن هيرست مجرد مراسلاً صحفياً من بيروت أو القاهرة أو القدس، بل كان محللاً دقيقاً للتاريخ السياسي والاستعماري للمنطقة كما كان مراقباً نقدياً للصراع الإسرائيلي العربي.
سيرته
وُلد هيرست في بريطانيا، وتلقى تعليمه في مدرسة رگبي العريقة، قبل أن يؤدي خدمته العسكرية في مصر وقبرص منتصف الخمسينيات. تلك التجربة الأولى في المنطقة العربية ستترك أثراً عميقاً في مساره اللاحق. بعد ذلك، تابع دراسته في جامعة أكسفورد، ثم في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث انفتح على ديناميكيات المشرق العربي في لحظة مفصلية. منذ الستينيات، ارتبط اسمه بصحيفة الگارديان البريطانية التي عمل فيها مراسلاً ومحللاً حتى أواخر التسعينيات، ليصبح واحداً من أقدم الصحافيين المقيمين في العاصمة اللبنانية بيروت وأكثرهم اطلاعاً على تفاصيلها. كتب أيضاً في صحف ومجلات أخرى مثل كريستيان ساينس مونيتور، آيرش تايمز، وديلي ستار اللبنانية، وظل حاضراً في النقاشات العامة عبر مقالاته وكتبه.
آراؤه
اختار ديڤد هيرست أن يعيش معظم حياته في بيروت، حيث خبر الحرب الأهلية اللبنانية عن قرب، وتعرّض أكثر من مرة للاختطاف أو المنع من دخول بلدان عربية مثل سوريا والعراق ومصر والسعودية. كان من بين القلائل الذين غطوا أخبار مدينة حماة السورية بعد الهجوم الدموي الذي شنته قوات الرئيس حافظ الأسد عام 1982 وأسفر عن آلاف القتلى، مبرزاً "عمق الأزمة في النظام العربي القائم وفشل حزب البعث الحاكم في تحقيق مهمته المعلنة بالوحدة والحرية والاشتراكية". كما انتقد زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات عام 2001، مشيراً إلى ما وصفه "بغروره الشهير" ومساره الذي اتسم بـ"الاعتدال المتزايد". ومضى قائلاً إن الزعيم لعب "دور المتعاون الذي تتطلبه منه اتفاقيات أوسلو"، كما أثنى عليه بالقدر نفسه واصفاً عرفات "بالشجاعة الجسدية في مواجهة الخطر المميت، والتفاني والاجتهاد، والعمل حتى الساعة 4 صباحاً". وصف أسلوب عرفات في الحكم بأنه "قائم على الرغبة المهووسة بالسيطرة الشخصية، والتدخل في أدق تفاصيل الإدارة، واستغلال الآخرين من خلال المحسوبية والفساد"، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى شجاعته وتفانيه في العمل. بعد إعدام صدام حسين عام 2006، كتب تحليلاً دقيقاً لشخصيته، قائلاً إنها "نموذج للديكتاتوريات النامية؛ ناجحة في الحفاظ على السلطة ودموية في ممارستها"، مشبّهاً الرئيس العراقي الراحل بالزعيم السوڤيتي جوسف ستالين في الأصل والطبع والطريقة.
القضية الفلسطينية وإسرائيل
اشتهر هيرست بكتاباته المؤيدة لثورات الربيع العربي، وكثيراً من ناصر القضية الفلسطينية. وربما كان ذلك سبباً لمنعه من زيارة ست دول عربية، منها مصر وسوريا والسعودية والعراق. كما أُختطف هيرست مرتين (إحداهما في بيروت، حيث هرب منها بالفرار من سيارة خاطفيه في حي شيعي بالمدينة).[1]) تميّز ديڤد هيرست بموقف واضح من القضية الفلسطينية: اعتبر أن جذور العنف في المنطقة تعود إلى النكبة وتداعياتها، وإلى السياسات التوسعية الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة. في مقالاته وحواراته، كان يهاجم الانحياز الإعلامي الغربي الذي يقدّم إسرائيل في صورة "الضحية الدائمة" ويهمّش رواية الفلسطينيين. انتقد أيضاً الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، معتبراً أن واشنطن لا تكتفي بحماية إسرائيل، بل تدعم أنظمة استبدادية مقابل مصالح اقتصادية أو جيوسياسية. بالنسبة له، هذا التواطؤ يعمّق الأزمات ويحوّل "إسرائيل النووية" إلى عبء استراتيجي على الغرب بدلاً من كونها حليفاً مضموناً.[2]
في الوقت نفسه، لم يُبدِ تساهلاً مع الاستبداد العربي، ورأى أن أنظمة المنطقة تسهم بدورها في تكريس الانقسام والفساد والتبعية للخارج. في كتاباته عن لبنان مثلاً، شرح كيف يتشابك العامل الداخلي الطائفي مع التدخلات السورية والإسرائيلية والإيرانية، ليجعل البلد مختبراً دائم الانفجار. يوصف ديڤد هيرست بأنه "صوت العقل" في الصحافة الغربية حول الشرق الأوسط. امتلك قدرة على الربط بين التاريخ الطويل للمنطقة والسياسات اليومية، وكان يحذّر من إغفال الجذور الاستعمارية والاقتصادية للصراعات. ومع أن مواقفه أثارت جدلاً، خصوصاً في الأوساط المؤيدة لإسرائيل، إلا أن أثره في تشكيل وعي القرّاء الغربيين والعرب على السواء ظلّ عميقاً.
وكان أسفه الوحيد -وفق الگارديان- بعد تشخيصه بمرض السرطان، الذي توفي بسببه، هو ضيق الوقت أمام إنهاء الطبعة الجديدة من كتاب السلاح وغصن الزيتون: جذور العنف في الشرق الأوسط، الذي أحدث عاصفة عند نشره لأول مرة عام 1977 (تبعته طبعات محدثة في عامي 1984 و2003)، ووصفته مجلة نيو ريبابليك الأمريكية بأنه "أكثر الكتب المعادية لإسرائيل التي نُشرت باللغة الإنگليزية". وعلقت الصحيفة بأن ذلك لم يكن مفاجئاً لها، إذ كانت تتلقى انتقادات دورية من مسؤولي السفارة الإسرائيلية لما اعتبروه تغطية متحيزة من هيرست.[3] وفي مقال كان عنوانه "هل إسرائيل في طريقها إلى الجنون؟" ونُشر في ميدل إيست آي في نوفمبر 2024، عاد هيرست إلى منتصف القرن الأول وأيام الحرب بين "المتطرفين والهلينيين"، واصفاً الصهاينة المتدينين في إسرائيل اليوم بالمتطرفين. وتنبأ في المقال بانتهاء إسرائيل جراء الانقسام الداخلي، كما حدث أثناء الصراع مع الرومان، "كان آنذاك انقساماً مجتمعياً جوهرياً، لا يختلف عن ذلك الذي يحدث في إسرائيل اليوم، ومساهماً حاسماً في الكارثة النهائية، الغزو الروماني، وتدمير الهيكل، والتشتت النهائي لليهود في منفاهم لقرون قادمة".
أنور السادات
كان هيرست ناقداً صريحاً ومستمراً للرئيس المصري أنور السادات وسياساته. اتسمت علاقتهما بالعداء الصريح، وبلغت ذروتها بطرد حكومة السادات لهيرست من مصر. وشملت معارضة هيرست لسياسات السادات ما يلي:
- الطرد من مصر: خلال فترة حكم السادات، وخاصةً عندما كان الرئيس يحظى بتأييد الصحفيين الغربيين، كان هيرست من القلائل الذين طُردوا من البلاد.
- كتابة سيرة ذاتية نقدية: كتب هيرست والمؤلفة المشاركة إيرين بيسون سيرة "السادات" عام 1981، تحت كتاب السادات مع إيرين بيسون، والتي مثّلت نقداً لاذعاً لمسيرة السادات المهنية بأكملها. صوّره الكتاب على أنه "ضعيف، فاسد، شريرٌ محض" و"انتهازيٌّ بارع".
- معارضة اتفاقية كامب ديڤد: انتقد هيرست بشدة معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي أُبرمت عام 1978، واعتبرها خيانةً للقضية الفلسطينية. كان يعتقد أن السادات سعى إلى اتفاق ثنائي ضحى بحل إقليمي شامل، وهي وجهة نظر لم تكن تحظى بشعبية كبيرة في الغرب آنذاك.
- تحدي صورة السادات العامة: على النقيض من التصور الغربي السائد عن السادات كصانع سلام بطولي، عمل هيرست على تفكيك تلك الصورة. فقد صوّر هو وبيسون السادات كشخصية سطحية برزت بفضل مسرحياته وانتهازيته أكثر من حنكته السياسية.
مؤلفاته
أصدر عدة كتب، لكن أبرزها يبقى السلاح وغصن الزيتون: جذور العنف في الشرق الأوسط (1977)، الذي عُدّ من المراجع الأساسية لفهم جذور القضية الفلسطينية. قدّم فيه قراءة تاريخية متماسكة تفضح السياسات الاستعمارية، وتنقد السرديات الغربية والإسرائيلية الرسمية. عاد لاحقاً إلى الموضوع نفسه في طبعات موسّعة، ليواكب تحولات العقود الأخيرة. أثار الكتاب جدلاً واسعاً عند نشره، مع تحديثات لاحقة صدرت عامي 1984 و2003. وصفته مجلة نيو ريبابليك اليمينية الأمريكية بأنه "أكثر الكتب عداءً لإسرائيل نُشرت باللغة الإنگليزية عبر شخص يدعي الجدية"، وهو ما لم يكن مفاجئاً لمحرري الگارديان الذين كثيراً ما انتقدتهم السفارة الإسرائيلية على ما اعتبروه تحيزاً في تغطية هيرست، وفقاً للنعي الذي نشرته الصحيفة البريطانية أمس الثلاثاء. نقله إلى العربية، عن طبعته الثالثة عبد الرحمن إياس، وأصدرته شركة رياض الريس للكتب والنشر في بيروت عام 2003. وفي كتابه حذار من الدول الصغيرة: لبنان، ساحةُ معارك الشرق الأوسط (2010)، قدّم قراءة بانورامية لتاريخ لبنان الحديث بما هو دولة صغيرة هشّة تحوّلت إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية. الكتاب مثال على منهجه الذي يربط المحلي بالإقليمي، ويرى في أزمات "الدول الصغيرة" انعكاساً لصراعات القوى الكبرى.
انظر أيضاً
المصادر
- ^ "Lebanon, the hostage crisis". Archived from the original on 25 September 2004. Retrieved 20 October 2010.
- ^ "رحيل ديفيد هيرست... شاهد على نصف قرن من أزمات المنطقة". العربي الجديد. 2025-09-22. Retrieved 2025-09-25.
- ^ "وفاة الصحفي ديفيد هيرست.. 5 عقود من الكتابة المتخصصة عن الشرق الأوسط". الجزيرة نت. 2025-09-24. Retrieved 2025-09-23.