أبو حامد محمد بن محمد الغزالي

(تم التحويل من الإمام الغزالي)
هذه المقالة عن حجة الإسلام أبو حامد الغزالي. إذا كنت تبحث عن الشيخ محمد الغزالي، انظر محمد الغزالي.
أبو حامد الغزالي
اللقبحجة الإسلام[1]الإمام الغزالي
ميلاد1058 م
طوس، فارس، الدولة السلجوقية
وفاة18 ديسمبر 1111 (53 عام)
طوس، فارس، الدولة السلجوقية
الديانةالدولة السلجوقية (نيسابور)[2]:292
الدولة العباسية (بغداد) / (القدس) / (دمشق) [2]:292
الاهتمامات الرئيسيةالصوفية، اللاهوت (علم الكلامالفلسفة، المنطق، الفقه الإسلامي
تأثيراتالشافعي، أبو المعالي الجويني، أبو طالب المكي، الحارث المحاسبي، الجنيد البغدادي، أبو يزيد البسطامي
تأثراتأبو بكر بن العربي، محمد بن تومرت،[3] شعيب أبو مدين، فخر الدين الرازي،[4] جلال الدين السيوطي،[5] يحيى بن شرف النووي،[6] موسى بن ميمون،[7] توما الأكويني،[8] ريموندو مارتيني، ابن الحاج الفاسي، نيقولاي الأوتركوري، ولي الله الدهلوي،[9] ميرزا عبد القادر بيدل، إمانوِل كانط

أبو حامد محمد ابن محمد الغزالي الطوسي[10][11][12]، وشهرته الإمام الغزالي (و. ح. 1058 - ت. 19 ديسمبر 1111)، هو عالم ومفكر وفيلسوف مسلم سني شافعي. ويُعد الغزالي من أبرز وأكثر الفقهاء والمفكرين والمفتين والفلاسفة وعلماء الكلام والمنطقيين والمتصوفين تأثيراً في التاريخ الإسلامي.[13][14][15][16]

كما يُعتبر الغزالي من مجددي القرن الحادي عشر،[17][18] وهو بحسب الثقافة الإسلامية، عالم دين يظهر كل مائة عام ليُجدد إيمان الأمة الإسلامية.[19][20][21] حظيت أعمال الغزالي بإشادة كبيرة من معاصريه حتى أنه مُنح لقب حجة الإسلام.[1] وكان الغزالي من أبرز مجتهدي المذهب الشافعي.[22]

تدور معظم أعمال الغزالي حول أزماته الروحية التي أعقبت تعيينه رئيساً للمدرسة النظامية- وهو المنصب الأكاديمي الأكثر شهرة في العالم الإسلامي في ذلك الوقت.[23][24] وقد أدى هذا إلى اختفائه في نهاية المطاف عن العالم الإسلامي لمدة تزيد على عشر سنوات، عندما أدرك أنه اختار طريق المكانة والأنا على طريق الله.[25][26] وفي هذه الفترة ألف الغزالي العديد من أعماله العظيمة.[25] كان يعتقد أن التقاليد الروحية الإسلامية أصبحت في حالة احتضار، وأن العلوم الروحية التي علمها الجيل الأول من المسلمين قد نُسيت وأُهملت.[27] وقد دفعه هذا الاعتقاد إلى تأليف كتابه الضخم إحياء علوم الدين.[28] ومن بين أعماله الأخرى، يُعد كتاب تهافت الفلاسفة معلماً بارزاً في تاريخ الفلسفة، يُسهم الكتاب في تقدم نقد العلوم الأرسطية التي تطورت لاحقاً في أوروپا القرن الرابع عشر.[16]


النشأة

جزء من سلسلة

تصوف

Allah.svg

تاريخ التصوف
العقائد و العبادات

توحيد · الشهادتين
الصلاة · الصوم
الحج · الزكاة

قائمة الشخصيات الصوفية

حارث المحاسبي · الغزالي
عبد القادر الجيلاني · حسن البصري
أحمد السرهندي · ابن عربي
مهر علي شاه · علي هجويري· جوهر شاهي

كتب التصوف

إحياء علوم الدين · الرسالة القشيرية · مكتوبات الربانية
الفتوحات المكية · كشف المحجوب · دين الله

طوائف صوفية

صوفية السنة · صوفية الشيعة · صوفية الفلسفة

طرق الصوفية

الطريقة القادرية · الطريقة النقشبندية · الطريقة الجشتية · الطريقة السهروردية
الطريقة المجددية · الطريقة الشاذلية· الطريقة السنوسية · الطريقة المولوية · الطريقة الإدريسية . الطريقة التيجانية · البكداشية · الأحباش

مصطلحات علم التصوف

المحبة · المعرفة
فناء بقاء · سالك
الشيخ · الطريقة
تجلي · وحدة الوجود

مساجد

المسجد الحرام · المسجد النبوي
المسجد الأقصى ·الأزهر

بلاد التصوف

دمشق · خراسان · القدس
بصرة · الإسكندرية · فاس

وُلد أبو حامد الغزالي بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي بقرية غزالة القريبة من طوس في خراسان عام 1058، وإليها نسب الغزالي. نشأ الغزالي في بيت فقير لأب صوفي لا يملك غير حرفته، ولكن كانت لديه رغبة شديدة في تعليم ولديه محمد وأحمد، وحينما وافته المنية عهد إلى صديق له متصوف برعاية ولديه، وأعطاه ما لديه من مال يسير، وأوصاه بتعليمهما وتأديبهما. اجتهد الرجل في تنفيذ وصية الأب على خير وجه حتى نفد ما تركه لهما أبوهما من المال، وتعذر عليه القيام برعايتهما والإنفاق عليهما، فألحقهما بإحدى المدارس التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، والتي كانت تكفل طلاب العلم فيها.

درس الغزالي في صباه على يد عدد من العلماء والأعلام، أخذ الفقه على الإمام أحمد الرازكاني في طوس، ثم سافر إلى جرحان فأخذ عن الإمام أبي نصر الإسماعيلي، وعاد بعد ذلك إلى طوس حيث بقي بها ثلاث سنين، ثم انتقل إلى نيسابور والتحق بالمدرسة النظامية، حيث تلقى فيها أصول الفقه وعلم الكلام على يد أبي المعالي الجويني إمام الحرمين ولازمه فترة ينهل من علمه ويأخذ عنه حتى برع في الفقه وأصوله، وأصول الدين والمنطق والفلسفة وصار على علم واسع بالخلاف والجدل.[29]

استقر المقام بالغزالي في نيسابور فترة طويلة حيث تزوج وأنجب، وظل بها حتى توفي شيخه الإمام الجويني عام 1085، فغادرها وهو لم يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره. خرج الغزالي إلى المعسكر فقصد الوزير السلجوقي نظام الملك الذي كان معروفاً بتقديره العلم ورعايته العلماء. واستطاع الغزالي أن يحقق شهرة واسعة بعد أن ناظر عدداً من الأئمة والعلماء وأفحم الخصوم والمنافسين حتى اعترفوا له بالعلم والفضل، فارتفع بذلك ذكره وذاع صيته، وطار اسمه في الآفاق. اختاره نظام الملك للتدريس بالمدرسة النظامية في بغداد فقصدها عام 1091، وكان قد بلغ الرابعة والثلاثين من عمره، وقد استُقبل فيها استقبالاً حافلاً. صرف الغزالي همته إلى عقد المناظرات، ووجّه جهده إلى محاولة التماس الحقيقة التي اختلفت حولها الفرق الأربعة التي سيطرت على الحياة الفكرية في عصره وهي: الفلاسفة الذين يدّعون أنهم أهل النظر والمنطق والبرهان، والمتكلمون الذين يرون أنهم أهل الرأي والنظر، والباطنية الذين يزعمون أنهم أصحاب التعليم والمخصوصون بالأخذ عن الإمام المعصوم، والصوفية الذين يقولون بأنهم خواص الحضرة الإلهية، وأهل المشاهدة والمكاشفة.

سعى الغزالي جاهداً ليتقصى الحقيقة بين تلك الفرق الأربعة؛ فدرسها بعمق شديد حتى ألم بها وتعرف عليها عن قرب، واستطاع أن يستوعب كل آرائها، وراح يرد عليها الواحدة تلو الأخرى. وقد سجل ذلك بشكل مفصل في كتابه المنقذ من الضلال، ولكنه خرج من تلك التجربة بجرعة كبيرة من الشك جعلته يشك في كل شيء حتى مهنة التدريس التي أعطاها حياته كلها، وحقق من خلالها ما بلغه من المجد والشهرة والجاه، فلم تعد لديه الرغبة في أي شيء من ذلك. وظل الغزالي على تلك الحال من التردد نحو ستة أشهر حتى قرر مغادرة بغداد، وفرّق ما كان معه من مال ولم يدخر منه إلا قدر الكفاف وقوت الأبناء.

من بغداد اتجه الغزالي إلى الشام حيث أقام بها نحو عامين، فكان يقضي وقته معتكفاً في مسجد دمشق، لا شغل له إلا العزلة والخلوة والرياضة الروحية ومجاهدة النفس والاشتغال بتزكيتها وتهذيب الأخلاق، وتصفية القلب لذكر الله. ثم انتقل من دمشق إلى القدس فكان يدخل مسجد الصخرة كل يوم ويغلق الباب على نفسه وينصرف إلى عزلته وخلوته. وهناك بدأ في تصنيف كتابه الشهير إحياء علوم الدين، ثم ما لبث أن عاد مرة أخرى إلى دمشق ليعتكف في المنارة الغربية من الجامع الأموي، حتى إذا ما دعاه داعي الحج اتجه إلى مكة ليؤدي فريضة الحج عام 1096 ثم زار المدينة المنورة. عاد الغزالي من الحج إلى دمشق مرة أخرى حيث عكف على إنجاز كتاب الإحياء، وفي العام التالي رحل إلى بغداد، لكنه لم يستأنف العمل بالتدريس بها، وما لبث أن ذهب إلى خراسان وظل حريصاً على الخلوة، مواظباً على حياة الزهد والتأمل وتصفية القلب لذكر الله، واستمر على تلك الحال نحو عشر سنوات، يجمع بين التمتع بالخلوة والذكر والتأمل، والأخذ بأسباب الحياة والتغلب على عوائقها، واستطاع خلالها الوصول إلى تلك الحقيقة التي راح يبحث عنها، والاهتداء إلى ذلك اليقين الذي راح يبثه في تلاميذه الذي استمد دعائمه من مشكاة النبوة الصافية وجوهر الإسلام الخالص.

وعندما تولى فخر الملك الوزارة في نيسابور عام 1104 عقب اغتيال أبيه نظام الملك على يد بعض الباطنية، ألح على الغزالي في العودة إلى التدريس في نظامية نيسابور، واستجاب له الغزالي إلا أنه لم يستمر بها أكثر من عامين؛ إذ سرعان ما ترك التدريس ثانية بعد اغتيال فخر الملك على يد أحد الباطنية عام 1106. وعاد الغزالي إلى مسقط رأسه في طوس فبنى بها مأوى للطلاب ممن يقصدونه، وظل بها فلم يبرحها حتى توفي.

فلسفته وأراؤه

الاخلاق

يعد ابو حامد الغزالي من كبار المفكرين المسلمين بعامه ومن كبار المفكرين بمجال علم الاخلاق بخاصه، وقد جمع آرائه الأخلاقية بين طريقة الفلاسفة في بناء الأخلاق على حقيقة الإنسان والشريعة الإسلامية التي جاءت لتتم مكارم الاخلاق كم ورد في حديث الرسول محمد. كما بين الطرق العملية لتربية الأبناء وإصلاح الأخلاق الذميمة وتخليص الإنسان منها، فكان بذلك مفكراً ومربياً ومصلحاً اجتماعياً في آن واحد. يرى الغزالي أن الأخلاق ترجع إلى النفس لا إلى الجسد، فالخلق عنده هيئة ثابتة قفي النفس تدفع الانسان للقيام بالأفعال الأخلاقية بسهولة وسر دون الحاجة إلى التفكير الطويل.

السعادة

يرى الغزالي أن السعادة هي تحصيل أنواع الخيرات المختلفة، وهي:

  • خيرات خاصة بالبدن، مثل الصحة والقوة وجمال الجسم وطول العمر
  • خيرات خاصة بالنفس وهي فضائل النفس "الحكمة والعلم والشجاعة والعفة"
  • خيرات خارجية وهي الوسائل وكل ما يعين الإنسان في حياته، مثل المال والمسكن ووسائل النقل والأهل والأصدقاء
  • خيرات التوفيق الالهي مثل الرشد والهداية والسداد والتأييد

التربية الاخلاقية

يرى الغزالي أن الاخلاق الفاضله لا تولد مع الاإسان، وإنما يكتسبها عن طريق التربية والتعليم من البيئة التي يعيش فيها. والتربية الأخلاقية السليمة في نظر الغزالي تبدأ بتعويد الطفل على فضائل الاخلاق وممارستها مع الحرص على تجنيبه مخالطة قرناء السوء حتى لا يكتسب منهم الرذائل، وفي سن النضج العقلي تشرح له الفضائل شرحاً علمياً يبين سبب عدها فضائل وكذلك الرذائل وسبب عدها رذائل حتى يصبح سلوكه مبيناً على علم ومعرفة واعية.

مؤلفات الغزالي

كتاب المنقذ من الضلال. لقراءة وتنزيل الكتاب، اضغط على الصورة.

وكثير من الكتب في شتى العلوم.


تهافت الفلاسفة

الذي انتقد فيه الغزالي الفلسفة نقدا شديدا، حتى كانت الغاية من الكتاب هي انتزاع الثقة من الفلسفة ولقد استعرض الغزالي في كتابه مناهج الفلاسفة وأدلتهم، واستخدام العقل وحده للكشف عن قصورها وعجزها وضعفها عملا داخل صميم الفلسفة إنه عمل يمكن تصويره بأنه بحث في طاقة العقل وهل يمكن أن يكون عملا كهذا بعيدا عن مجال الفلسفة؟ ومن مقولات أرسطو [من ينكر الميتافيزيقا، يتفلسف ميتافيزيقيا] [فلنتفلسف إذا اقتضى الأمر أن نتفلسف، فإن لم يقتض الأمر التفلسف وجب أن نتفلسف لنثبت أن التفلسف لا ضرورة له] وقال بعض الفلاسفة الميتافيزيقيين لخصومهم من الفلاسفة الوضعيين: [إنهم الفلاسفة الذين يفاخرون بأنهم ليسوا بفلاسفة، إن موقفهم من إنكار الفلسفة موقف فلسفي لا محالة] وعلى هذا القياس يكون الغزالي قد تفلسف وهو يهدم الفلسفة، فالتهافت إذن إن لم يكن فلسفي الغاية فهو فلسفي الموضوع.

اقتباسات من الكتاب0.jpg

قال القاضي العربي : « إني رأيت الغزالي في البرية وبيده عكازه وعليه مرقعة وعلى عاتقه ركوة ، وقد كنت رأيته في بغداد يحضر درسه أربعمائة عمامة أكابر الناس يأخذون العلم . فدنوت منه فسلمت عليه وقلت له : يا إمام ، أليس تدريس العلم ببغداد خيرة من هذا ؟ ». وكان رد الغزالي أن نظر إلى ابن العربي شزرا ثم تمتم ببعض الكلمات الصوفية والأبيات الشعرية، ومما قال.

غزلت لهم غزة دقيقة فلم أجد لغزلي نساجة فكسرت مغزلي يقول الغزالي إنه لم يجد لغزله الدقيق من ينسجه فکسر مغزله.

وهذا يدل على مبلغ الألم الذي كان الغزالي يشعر به تجاه الجمود الذي كان يسيطر على في أذهان معاصريه. والواقع أن الغزالي لقي في حياته من العنت والنقد المرير شيئا كثيرة. وقد اتهمه خصومه بالزندقة من جراء الآراء الجديدة التي جاء بما لم يألفوه بها. شأنه في ذلك شأن الكثيرين من المجددين الذين يواجهون معاصريهم بما لم يألفوه.

تطور تجربته الروحية

الهارونية، مبنى في طوس، إيران، سُمي على اسم هارون الرشيد، يُعتقد أن ضريح الغزالي يقع عند مدخل هذا المبنى.


إن وسائل المعرفة هي التقليد، الحواس والعقل ولقد انتقد الغزالي الوسائل جميعا وقال أنه لا يوجد لها دليل وبرهان فأصبح في مرحلة شك فبحث عن أصناف الباحثين عن الحقيقة وانحصرت الفرق الطالبة للحق في عهد الغزالي في أربع فرقة المتكلمين، فرقة الباطنية، فرقة الفلاسفة، فرقة الصوفية، وأنتقدهم جميعا حتى وجد أن الصوفية هي الحقيقة التي وجد بها ضآلته لأنه ظل في مرحلة شك ولم يصل إلى مرحلة اليقين إلى أن قذف الله نورا في صدره فأنضم إلى الصوفية. كان شك الغزالي صاحب فضل عليه فهو الذي دفعه إلى البحث وطلب الحقيقة وتملس الإيمان فدرس كل العلوم الدينية والفلسفية والمذهبية الموجودة في عصره (مثل الباطنية) وكان يفهم ما يسمع ويناقش ما لا يفهم ويتطلب الحجة والدليل ويحاور ويجادل. يجدر بنا أن نذكر أن الغزالي قد شك ليبلغ اليقين.

أصناف الطالبين للحق عند الغزالي أربع:

  • أولاً، المتكلمون:

المتكلمون وهم يدعون أنهم أهل الرأي والنظر. ولقد قال الغزالي عن علم الكلام أنه حفظ العقيدة من الشكوك التي تثار حولها والطعون التي توجه إليها. (على إنسان نشأ مسلما، وأخذ عقيدته من الكتاب والسنة) أما أن يخلق علم الكلام عقيدة الإسلام في إنسان نشأ خاليا عنها غير مؤمن بها، فهذا ما لم يحاوله علم الكلام، وما لم يكن في مهمته، وقد قضت عليه مهمته تلك أن يأخذ مقدماته من هؤلاء الطاعنين المشككين ليؤاخذهم بلوازم مسلماتهم، وهي مقدمات واهية ضعيفة قال:[وكان أكثر خوضهم (يقصد علما الكلام) في استخراج مناقضات الخصوم ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم]. هذا هو مقصود علم الكلام؛ أما مقصود الغزالي فهو إدراك الحقيقة الدينية إداركا يؤيده العقل، حتى تكون في درجة العلم الرياضي، دقة ووضوحا، وشتان بين المقصدين. لهذا يقول الغزالي مشيرا إلى علم الكلام. [وهذا قليل النفع في حق من لا يسلم سوى الضروريات شيئا أصلا؛ فلم يكن الكلام في حقي كافيا، ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافيا... لم يجد الغزالي ضآلته المنشودة في علم الكلام، ورآه غير واف بمقصوده، إذن لم يكن علم الكلام مقنعا للغزالي فظل يبحث عن الحقيقة انتقل إلى الصنف الثاني من طالبين الحقيقة وهم الفلاسفة.

  • ثانياً، الفلاسفة:

والفلاسفة هم أولئك القوم الذين يلجئون إلى العقل في مسالكهم العلمية، تناول الغزالي بحوثهم التي تعرضوا فيها لموضوعات العقيدة، عله يجد لديهم من فنون المحاولات العقلية ما يقطع بصحة ما ذهبوا إليه بشأنها، فوجدهم قد اختلفوا فيها اختلافا كبيرا. وسرعان ما أدرك الغزالي أن مزاولة العقل لهذه المهمة إقحام له فيما لا طاقة له به، وأن أسلوب العقل في تفهم الأمور الرياضية، ولا يمكن أن تخضع له المسائل الإلهية. لذلك خرج الغزالي بهذه النتيجة. " أين من يدعي أن براهين الإلهيات (يعني عند الفلاسفة) قاطعة كبراهين الهندسيات". وما دامت براهين الإلهيات عند الفلاسفة لا تنتهي في الوضوح إلى الحد الرياضي الذي يشترطه الغزالي فلا بد له من أن ينفض يده منها. وقد ألف الغزالي في نقدهم وتفنيد آرائهم. وأغلب الظن أن كتاب "التهافت" ألف في هذه الفترة. كذلك لم يجد الغزالي ضآلته في الفلسفة ورآها غير جديرة بما يمنحها الناس من ثقة،إذن انتقد الفلاسفة ولم يجد ضآلته عندهم فإتجه إلى ثالث فرقة من أصناف الباحثين عن الحق وهي الباطنية أو التعليمية.

  • ثالثاً، الباطنية:

في عهد الخليفة العباسي المستظهر برزت فرقة تسمى الباطنية وكانت ترى أنه يجب تأويل القرآن والبحث في باطنه وعدم قبول ظاهره فقد كانوا يؤمنون بالمعاني الباطنة وإن لهذه الفرقة أفكار ضآلة وملحدة حتى أنها كانت تهدف إلى التشكيك في أركان الشريعة فمثلا يقولون ما الهدف من رمي الحجارة وما الداعي للسعي بين الصفا والمروة؟ إذن كانت فرقة ملحدة تكفيرية خطيرة أحس الخليفة العباسي بخطرها فطلب من الإمام الغزالي أن يؤلف كتاب يقوم فيه بالرد عليهم. فتمعن الغزالي بأفكارهم وتعمق بها وكتب كتاب فضائح الباطنية الذي خصص به جزء امتدح فيه خلافة المستظهر حتى أن البعض يسمى كتابه المستظهري وهنا نجد ارتباط الغزالي بالسياسة أيضا. عموما فلقد انتقد الغزالي الباطنية في كتابه وتأثر بكتب من سبقوه في نقد هذه الفرقة وعموما فقد استخدم الغزالي التأويل في انتقاده لهم وخاف أن يشك الناس أنه منهم فنفى ذلك وقال أنه يجمع بين التنزيل والتأويل وهنا تظهر عبقرية الغزالي عموما لا نستطيع أن نقول أنه تأثر بالباطنية وأتبعهم ولكنه كان هنا في مرحلة شك وهي مرحلة من مراحل سعيه نحو الحصن الذي لجأ إليه أخيرا وهو حصن التصوف. يقول الباطنية:[إن العقل لا يؤمن عليه الغلط، فلا يصح أخذ حقائق الدين عنه].

وإلى هذا الحكم انتهى الغزالي عند امتحانه للفلاسفة، فهم إذن في هذه النقطة متفقون. عماذا إذن يأخذون قضايا الدين في ثوبها اليقيني؟! يأخذونها عن الإمام المعصوم الذي يتلقى عن الله بواسطة النبي. أحبب بهذا الإمام وبما يأتي عن طريقه. ولكن أين ذلك الإمام، فتش عنه الغزالي طويلا فلم يجده، وتبين أنهم فيه مخدوعون، وأن هذا الإمام لا حقيقة له في الأعيان، فعاد أدراجه وكرّ راجعا، بعد ما ألف كتبا ضدهم أوجعهم فيها نقدا وتفنيدا كما يقول هو. وأيضا لم يجد الغزالي ضآلته عند الباطنية، ورآهم غارقين في حيرة.

بقيت رابعة الفرق، بقي المتصوفة.

  • رابعاً، الصوفية:

المتصوفة يقولون بالكشف والمعاينة، والاتصال بعالم الملكوت، والأخذ عنه مباشرة، والإطلاع على اللوح المحفوظ وما يحتويه من أسرار، ولكن ما الطريق إلى الكشف والمعاينة ؟، أجابوه بأنها علم وعمل. مضى الغزالي يستوضحهم ويطبق على نفسه حتى أدت به الحال إلى أن [ترك هذا الجاه العريض والشأن المنظوم الخالي من التكدير والتنغيص والأمن المسلًّم الصافي عن منازعة الخصوم]

وخرج هائما على أوجهه في الصحارى والقفار، ذاهبا مره إلى الشام، وأخرى إلى الحجاز، وثالثة إلى مصر. كل ذلك فرارا بنفسه من الناس، وجريا وراء الخلوة، تطبيقا لما أشار عليه الصوفية، الذين يرون أن أساس طريقتهم.

[قطع علائق القلب عن الدنيا، بالتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإقبال بكنه الهمة على لله تعالى، ذلك لا يتم إلا بالإعراض عن الجاه والمال، والهرب من الشواغل والعلائق، بل يصير قلبه إلى حالة يستوى فيها وجود كل شيء وعدمه] ومن تمام طريقهم أيضا كما يقول الغزالي: "أن تخلو بنفسك في زاوية، تقتصر، من العبادة على الفرائض والرواتب وتجلس فارغ القلب، مجموع الهم، مقبلا بذكرك على الله، وذلك في أول الأمر بأن تواظب باللسان على ذكر الله تعالى، فلا تزال تقول: الله الله، مع حضور القلب وإدراكه، إلى أن تنتهي إلى حالة لو تركت تحريك اللسان لرأيت كأن الكلمة جارية على لسانك لكثرة اعتياده، ثم يصير مواظبا عليه، إلى أن لا يبقى في قلبك إلا معنى اللفظ، ولا يخطر ببالك حروف اللفظ وهيئات الكلمة، بل يبقى المعنى المجرد حاضرا في قلبك على اللزوم والدوام، ولك اختيار إلى هذا الحد فقط، ولا اختيار بعده لك، إلا في الاستدامة لدفع الوساوس الصارفة، ثم ينقطع اختيارك فلا يبقى لك إلا الانتظار لما يظهر من فتوح ظهر مثله للأولياء، وهو بعض ما يظهر للأنباء... ومنازل أولياء الله فيه لا تحصى... فهذا منهج الصوفية؛ وقد رد الأمر فيه إلى تطهير محض من جانبك وتصفية وجلاء، ثم استعداد وانتظار فقط]

وإيضاح ذلك أن القلب إذا طهر من أدران المعاصي، وصقل بالطاعات،أشرقت صفحته، فانعكس عليها من اللوح المحفوظ ما شاء الله أن يكون، وهذا هو العلم المعروف بالعلم اللدني أخذا من قوله تعالى: "وآتيناه من لدنا علما" وفسروا الرزق في قوله تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" بالعلم من غير تعلم. طبّق الغزالي هذا المنهج على نفسه حتى طهرت وصقل قلبه، كما يحدثنا هو [وانكشف لي أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها، والقدر الذي أذكره لينتفع به، أني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق،وأخلاقهم أزكى الأخلاق، بل لو جمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء، ليغيروا شيئا من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه، لم يجدوا إليه سبيلا، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به... وأنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتا، ويقتبسون منهم فوائد] إذن عرف الغزالي ما كانت تتوق إليه نفسه من المعارف، وأدركها إدراكا يأمن معه الخطأ. وبذلك يكون الغزالي قد تخلص من الشك الذي يدور حول معرفة الفرقة الناجية بعد أن تخلص من الشك الذي يدور حول موازين الحقيقة. وأخيرا وجد الغزالي ما كان يفتش عنه، في نهاية مطافه، وجده عند المتصوفة.. وجد يقينه المنشود.


سيرته الذاتية

الصفحة الأخيرة من السيرة الذاتية للغزالي، المنقذ من الضلال.


المصادر

  1. ^ أ ب Janin, Hunt (2005). The Pursuit of Learning in the Islamic World. McFarland. p. 83. ISBN 0786419547.
  2. ^ أ ب Griffel, Frank (2006). Meri, Josef W. (ed.). Medieval Islamic civilization : an encyclopedia. New York: Routledge. ISBN 0415966906.
  3. ^ Frank Griffel, Al-Ghazali's Philosophical Theology, p 77. ISBN 0199724725
  4. ^ Frank Griffel, Al-Ghazali's Philosophical Theology, p 75. ISBN 0199724725
  5. ^ Andrew Rippin, The Blackwell Companion to the Qur'an, p 410. ISBN 1405178442
  6. ^ Frank Griffel, Al-Ghazali's Philosophical Theology, p 76. ISBN 0199724725
  7. ^ The Influence of Islamic Thought on Maimonides Stanford Encyclopedia of Philosophy, June 30, 2005
  8. ^ Karin Heinrichs, Fritz Oser, Terence Lovat, Handbook of Moral Motivation: Theories, Models, Applications, p 257. ISBN 9462092753
  9. ^ Muslim Philosophy, Islamic Contributions to Science & Math, netmuslims.com
  10. ^ "Ghazali". Collins English Dictionary. HarperCollins. Retrieved 29 June 2019.
  11. ^ "Al-Ghazali". The American Heritage Dictionary of the English Language (5th ed.). HarperCollins. Retrieved 29 June 2019.
  12. ^ قالب:Cite Merriam-Webster
  13. ^ Banuazizi, Ali; Weiner, Myron (March 1994). The Politics of Social Transformation in Afghanistan, Iran, and Pakistan. Syracuse University Press. p. 108. ISBN 9780815626091.
  14. ^ "Ghazali, al-". The Columbia Encyclopedia. Retrieved 17 December 2012.
  15. ^ Adamec, Ludwig W. (2009). Historical Dictionary of Islam. Scarecrow Press. p. 109. ISBN 978-0810861619.
  16. ^ أ ب Griffel, Frank (2016). "Al-Ghazali". In Zalta, Edward N. (ed.). The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2016 ed.). Metaphysics Research Lab, Stanford University.
  17. ^ William Montgomery Watt, Al-Ghazali: The Muslim Intellectual, p. 180. Edinburgh University Press, 1963.
  18. ^ Rosmizi, Mohd; Yucel, Salih (2016). "The Mujaddid of his age: Al-Ghazali and his inner spiritual journey". UMRAN - International Journal of Islamic and Civilizational Studies (in English). 3 (2): 1–12. doi:10.11113/umran2016.3n2.56. ISSN 2289-8204.{{cite journal}}: CS1 maint: unrecognized language (link)
  19. ^ Smith, Jane I. (19 November 2009). Islam in America. Columbia University Press. p. 36. ISBN 978-0231519991.
  20. ^ Dhahabi, Siyar, 4.566
  21. ^ Oxtoby, Willard Gurdon (1996). Oxford University Press. p. 421. {{cite book}}: Missing or empty |title= (help)
  22. ^ Al Beirawi, Abu Ismael (12 April 2016). Essays on Ijtihad in the 21st Century. CreateSpace. p. 35. ISBN 9781539995036.
  23. ^ Joseph E. B. Lumbard, Islam, Fundamentalism, and the Betrayal of Tradition: Essays by Western Muslim Scholars p90. ISBN 0941532607
  24. ^ George Makdisi, The Rise of Colleges, p27
  25. ^ أ ب Nasr, Seyyed Hossein (2014). "Happiness and the Attainment of Happiness: An Islamic Perspective". Journal of Law and Religion. 29 (1): 76–91 [80]. doi:10.1017/jlr.2013.18. JSTOR 24739088.
  26. ^ "Al-Ghazali's Turning Point: On the Writings on his Personal Crisis". www.ghazali.org. Retrieved 2023-07-30.
  27. ^ Böwering, Gerhard; Crone, Patricia; Mirza, Mahan; Kadi, Wadad; Zaman, Muhammad Qasim; Stewart, Devin J. (2013). The Princeton Encyclopedia of Islamic Political Thought (in الإنجليزية). Princeton University Press. p. 191. ISBN 978-0691134840 – via Google Books.
  28. ^ Sonn, Tamara (1996-10-10). Interpreting Islam: Bandali Jawzi's Islamic Intellectual History (in الإنجليزية). Oxford University Press. pp. 30. ISBN 9780195356564. Ghazali Revival ihya.
  29. ^ "الإمام الغزالي". إسلام أونلاين. Retrieved 2025-09-14.

وصلات خارجية