البعيث المجاشعي
أبو زيد خداش بن بشر بن خالد التميمي، لقبه البعيث المجاشعي (؟ - 134 ه/ 751 م)، هو خطيب ومن فطاحلة الشعراء في العصر الأموي.
سيرته
هو أبو زيد خداش بن بشر بن خالد التميمي، تاريخ ميلاده غير معروف. أمه أصبهانية تدعى وردة، لُقّب بالبُعيث لقوله:
تبعّث منّي ما تبعّث بعدما | أُمِرّت قِواي واستمرّ عَزيمي |
يريد أنه قال الشعر بعدما تقدمت به السنّ وحنّكته التجارب. على أن البعيث لم يكن منفرداً بهذا اللقب، فقد عُرف به طائفة من الشعراء منهم البعيث التغلبي والبعيث الحنفي.
خطابته وشعره
اشتهر البعيث المجاشعي بالخطابة والشعر، وكان يقال: "أخطب بني تميم البعيث إذا أخذ القناة" (أي تخصَر بالعصا). وقد عُرف بعدم إقدامه على الخطابة إلاّ بعد أن يهيّئ الخطبة وينقحّها، فرُوي عنه قوله: "إني واللهِ ـ ما أُرسل الكلام قضِيباً خَشِيباً (أي غير محكَم)، وما أُريد أن أخطب يومَ الحَفْل إلا بالبائت المحكَّك". وشهرته في الخطابة تفوق شهرته في الشعر ولذلك قالوا فيه: "لئِن كان مُغَلَّباً في الشعر لقد كان غُلِب (أي غلب خصمه) في الخُطب"[1].
ليس هناك من أخبار البعيث مافيه غَناء، ولم يصل شيء من خطبه وإنما وصل بعض شعره، إذ كان أحد من هاجوا جريراً من الشعراء، وكلاهما من قبيلة تميم، إلا أن البعيث من بني مجاشع وجرير من بني كليب بن يربوع، فحينما وقع التهاجي بين جرير وغسّان السّليطي اليربوعي دخل البعيث بينهما، وكانت بينه وبين بني سَليط صلة رحم، فانتصر لغسّان وفضّل رهطه على رهط جرير، وقال شعراً يعرّض فيه بجرير وقومه، فلما بلغت مقالته جريراً غضب وسارع إلى هجائه بأبيات تهدّده فيها وعيّره بأمّه الأصبهانية، فلمّا بلغت الأبيات البعيث نقضها بأبيات على وزنها وقافيتها فخر فيها بقومه بني مجاشع وبوقائعهم في الجاهلية والإسلام. واستطار الهجاء بينهما، وكان في هذا الهجاء إفحاش في اللفظ وهتك للعورات، وقد قال البعيث في هجاء جرير شعراً مقذعاً من نحو قوله:
ألستَ كُليبيّاً إذا سِيم خَطّةً |
وكلُّ كُلَيبيّ صحيفةُ وجهه | أذلُّ لأقدام الرِّجال من النَّعلِ |
ولكنَّ جريراً كان أطول باعاً منه في الهجاء وسرعان ما ظهر تفوقه عليه. وقد أثار هجاء جرير البعيث وقومه سخط الفرزدق ـ وهو من مجاشع ـ واستطاعت نساء مجاشع إثارة حفيظته على جرير لما قاله فيهنّ من فاحش الهجاء، فراح يهجو جريراً ويهجو معه البعيث لأنه عرّض قومه لهجاء جرير، وهو ليس نِدّاً له، ولم يرض البعيث عن دخول الفرزدق بينه وبين جرير. فقال له:
أشاركتني في ثعلب قد أكلتُه | فلم يبقَ إلاّ رأسُه وأكارعُه |
وردّ جرير على هجاء الفرزدق بقصيدة يهجوه فيها ويهجو البعيث، وحينئذ قال البعيث نقيضة يهجو فيها جريراً والفرزدق معاً، وكانت حصيلة هذه المناقضة الثلاثية سقوط البعيث بين فحلي تميم، ومالبث أن كفّ عن مهاجاة جرير، وترك هذه المهمة لشاعر قومه الفرزدق.
كان البعيث من فحول شعراء العصر الأموي وإن لم يكن نداً لجرير والفرزدق، وقد وصفه ابن سلام بقوله: "كان البعيث شاعراً فاخر الكلام، حُرَّ اللفظ؟، وجعله في الطبقة الثانية من شعراء الإسلام، على أنه لم يصل من شعره إلا القليل، وجُلّه في الهجاء وأعقب أولاداً منهم مالك وبكر.
من قصائده
- إذا ما لقيت الباهلي وجدته
- ولست بمفراح إذا الدهر سرني
- وسفع ثوين العام والعام قبله
- أمق رقيق الأسكيتن كأنه
- ورحنا بها عن ماء ثجر كأنما
- وذي أشر كالأقحوان نشوقه
- تخونتها بالنص حتى كأنها
- إلى ظعن بالصلب صلب قصيدة
- ومر عراقيب الوحوش أمامهم
- أوغى يد الدهر من أحداثه شرفا
- وركب كأطراف الأسنة هجد
- إذا طلع العيوق أول كوكب
- ولو ترمى بلؤم بني كليب
- الأراح بالرهن الخليط فهجرا
- بعيد الندى جالت بأنسان عينه
- إلا أن ليلى رد حبل وصالها
- بجون رعت سلمان حتى كأنها
- ورشق من النشاب يحدون ورده
- إذا هي زارت بعد شحط من النوى
- أكد إذا لاقيت قوما بخطة
- تبعث مني ما تبعث بعدما
- فأرسل سهوا كاظميا كأنه
- وصهباء من طول الكلال زجرتها
- محرجة خص كأن عيونها
- فصبحه والشمس حمراء بشرة
- قد اختاره الله لعباد لدينه
- كأن قتودي فوق طاو خلاله
- وكيف طلابي العامرية بعدما
- إذا طرقت ليلى الرفاق بغمرة
- ألا يا لقوم كل ما حم واقع
- لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى
- وإني لأرجو الله حتى كأنما
- وما المال والأهلون إلا ودائع
- فلا تكثرن في أثر شيء ندامة
- ويتيه مروراة تخال شخاصه
- أناجي أني لا أخالك ناجيا
- أشاركني في ثعلب قد أكلته
- على متن عادي أرومه
- وقد أعرضت دون الأشاهب وارتمى
- ضبطن بفيف من بسيطة بعدما
- ترى منبر العبد اللئيم كأنما
- سيتركها أن سلم الله أمرها
- ولما رأيت الهم ضاف كأنه
- شددت لها حبلا إلى أوثق العرار
- سلافة اسفنط بماء غمامة
- وأنا لنعطي المشرفية حقها
- وماذا غير أنك ذو سبال
- قد استوى بشر على العراق
- أهاج عليك الشوق أطلال دمنة
- لعمري لئن ألهى الفرزدق قيده
- لمن طلل بالسدرتين كأنه
- شددت له أزري بمرة حازم
- تطاول هذا الليل حتى كأنه
- وأرسل بكرا مالك يستحثنا
- وذاك الفراق لا فراق طعائن
- وذاك الفراق لا نراق ظعائن
- ودافعت عن ذود الخصاف بن ضمم
- ألا حييا الربع القواء وسلما
- ونحن وقعنا في مزينة دفعة
- ولو أنها عصفورة لحسبتها
- أن أمرعت معزى عطيقة وارتعت
- من الدوفا لصمان حتى تنبهت
- وأنت بذات السدر من أم سالم
- سماوية كدر كأن عيونها
- وقد خلفت أسراب جون من القطا
- وأطراف أطراف الشجاع وقد جرى
- وخالك رد القوم يوم بزاخة
- ألا إنما أزرى بحارك عامدا
- وشتان ما بيتي وبين ابن خالد
- وإني لأستبقيكم ولقد أرى
- تعز بنجد كل من لقط الحصى
- إذا ما زعانيف الرباب أشظها
- وإني لأعطي النصف من لو ظلمته
- أجرير أقصر لا تحن بك شقوة
- ومولى كبيت النمل لا خير عنده
- نجحت بطولات كأن نجاءها
- يقولون ليلى بالمغيب أمينة
- فإن تك ليلى حملتني لبانة
- بأطيب من فيها ولا طعم قرقف
- أطافت بشعث كالأسنة هجدر
- إذا كذبت عنا الظهيرة قربت
- بني زياد لذكر الله مصنعة
- تناومتم لأعين إذ دعاكم
- سائل سليطا إذ ما الحرب أفزعها
- فطأ معرضا إن الحتوف كثيرة
المصادر
- ^ "البعيث (خداش بن بشر ـ)". الموسوعة العربية. Retrieved 2025-02-01.
المراجع
- ابن سلام، طبقات فحول الشعراء، قرأه محمود محمد شاكر (القاهرة1974).
- أبو عبيدة معمر بن المثنّى، نقائض جرير والفرزدق، تحقيق بيفان (ليدن 1905).