الثورة الظاهرية

الثورة الظاهرية
التاريخأغسطس 1386
الموقع33°30′42″N 36°18′07″E / 33.511667°N 36.301944°E / 33.511667; 36.301944
النتيجة

• انتصار المماليك

• قمع الثورة
المتحاربون
سلطنة المماليك (الأسرة البرجية) التمرد الظاهري
قبائل بادية الشام
القادة والزعماء
برقوق البرهان أحمد الظاهري
خالد الحمصي
الضحايا والخسائر
لا أحد 5 أُلقِيَ القبض عليهم (2 ماتا في الحبس)

الثورة الظاهرية، هي مؤامرة أدت إلى انقلاب فاشل ضد حكومة سلطنة المماليك في القرن الرابع عشر، ووُصفت بأنها صراع سياسي ونزاع ديني.[1][2] في حين بدأ الدعم الأولي للإطاحة المحتملة بالسلطان في مصر، فإن انتقال المحرضين الأيديولوجيين المصريين إلى سوريا أدى في النهاية إلى اندلاع الانتفاضة المخطط لها فعلياً في دمشق عام 1386.[3][4] وبعد أن التف المحرضون حول أحمد الظاهري، وهو رجل دين من المدرسة الظاهرية السنية، تحركوا من حماة إلى العاصمة. وبعد أن فشلوا في تأمين دعم المماليك والقبائل العربية المحلية، ألقت قوات السلطان برقوق القبض عليهم قبل أن يبدأ الصراع المسلح.[5]

ورغم أن ليس كل من شارك في الثورة تقبل الآراء الفقية للمدرسة الظاهرية، فقد استخدم المصطلح للإشارة إلى كل من كان على استعداد للمشاركة في الصراع المسلح ضد السلطان المملوكي.[6] وقد وُصِف قمع الثورة عمليًا وأيديولوجيًا بأنه علامة على عدم تسامح السلطات المملوكية مع الأفكار غير المطابقة واستعدادها للتدخل في القضايا الدينية التي كانت تعتبر عادةً من اختصاص علماء الدين في الدول الإسلامية.[7][8]

خلفية

في ديسمبر 1382، خضع الفقيه المسلم ابن أبي العز من المدرسة الحنفية تعرض ابن أبي العز لمحنة بسبب آرائه في علو الله، ونقده لقصيدة ابن أيبك، التي اعتبر محتوياتها كفرًا،[9] فجرد بسبب ذلك من جميع وظائفه، وحبس مدة أربعة أشهر، وعُزر.[10] في 27 ديسمبر من ذلك العام، وقع السلطان برقوق على بيان يدين الفقيه ويطالب بالتحقيق في الشائعات المتعلقة بفقهاء آخرين يروجون للمدرسة الظاهرية للإسلام السني في دمشق.[10] وكان الفقهاء الأربعة الذين أشيع أنهم يروجون لآراء مخالفة للعرف هم القرشي، وابن الجابي، وابن الحصباني، وصدر الدين اليسوفي.

وبعد أربع سنوات، انتقل سوري حنبلي يُعرف باسم خالد حمص، وهو في الواقع من حلب، إلى دمشق تحت وصاية الناسك الصوفي أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحيم شهاب الدين أبو هاشم الظاهري، ويعرف بالبرهان. خلال هذا الوقت، هاجر عدد من المصريين الذين تأثروا بالمدرسة الظاهرية إلى سوريا.[3][4] وقد انخرط البرهان في دراسة كتاب المحلى بالآثار لابن حزم إلى جانب اليسوفي، وتبعه في ذلك ابن الجابي وابن الحصباني.[11] وأما القرشي فقد ارتبط بالأربعة المذكورين من أجل الدراسة فقط، لكنه كره البرهان شخصياً.

اكتشاف المؤامرة

في أغسطس 1386، زار خالد الحمصي زعيماً بدوياً محلياً مسجوناً في قلعة دمشق لطلب الدعم للإطاحة بالسلطان وتنصيب خليفة، وكان برقوق نفسه قد أطاح بالخليفة المتوكل محمد بن أبي بكر من أجل الوصول إلى السلطة. اقترح الزعيم أن يتحدث خالد مع ابن الحمصي، المسؤول الأعلى في القلعة والذي لا علاقة له بخالد على الرغم من تشابه الاسم، لأنه من المرجح أن يدعم الإطاحة بالسلطان.[12]

أبلغ خالد قائد القلعة بالمؤامرة، مدعياً أنه لا يحظى بدعم القبائل البدوية المحلية وسكان دمشق الحضر فحسب، بل إنه وجد أيضاً مرشحاً مناسباً للخليفة الجديد. أعطى الضابط الانطباع بأنه يدعم المؤامرة وطلب مقابلة هذا الخليفة الجديد، وعندها كشف خالد أنه البرهان، بل وأعطى الضابط العنوان الدقيق لمنزل البرهان.[12][13] أرسل الضابط طلباً لحضور البرهان، وفور وصوله تم القبض عليه وعلى خالد فوراً.

التداعيات

في غياب كل من القلعة ووالي سوريا بايدمُر في عطلة، تولى ابن الحمصي دور الوالي بالنيابة. وكتب إلى السلطان برقوق في القاهرة، مضيفاً تفاصيل من عنده إلى القصة.[14] ولم يكتف ابن الحمصي بإبلاغ السلطان بالقبض على اثنين من زعماء المؤامرة، بل اتهم الحاكم أيضاً بأنه متآمر، مما أدى إلى اعتقال الحاكم وابنه محمد شاه وابن أخيه علاء الدين الخازندار ونائبين في رمضان من نفس العام، الموافق سبتمبر 1386.[15] في الأسابيع التي أعقبت اعتقال البرهان وخالد، تحول التركيز إلى مطاردة أي شخص مرتبط ببايدمُر، مما أدى إلى فرض عقوبات سياسية ومالية.[16][17]

وبناءً على اعتراف البرهان، تم القبض على اليسوفي واختبأ ابن الحصباني. كما تم القبض على فقيه حنبلي ثاني، أمين الدين بن النجيب من بعلبك، باعتباره مشتركاً في المؤامرة؛ ورغم أنه لم يكن متورطاً بشكل مباشر في المؤامرة، إلا أنه عارض السلطان علناً في الماضي.[14] في نوفمبر 1386، نُقل البرهان وخالد إلى القاهرة حتى يلتقيهما السلطان برقوق وجهاً لوجه. وفي غيابهما، أُعتقل عدد من المسؤولين المحليين ورجال الدين للاشتباه في تورطهم في المؤامرة. في النهاية، تقدم السجناء بعريضة يطالبون فيها بالإفراج عنهم أو قتلهم؛ وبدلاً من ذلك تم تقييدهم وإصدار أحكام عليهم بالعمل اليدوي في مشاريع الإنشاءات العامة. أدى هذا إلى سلسلة من ردود الفعل؛ حيث بدأ سكان دمشق المحليون، الذين أشفقوا على السياسيين ورجال الدين الذين سقطوا، في التظاهر في مواقع البناء معارضين للعمل اليدوي القسري وإدارة برجي بشكل عام.[18] وخوفًا من انتشار الثورة بين الطبقات الدنيا، ألغى العسكريون على الفور أحكام العمل وأعادوا السجناء إلى القلعة.[19] ازدادت المعارضة للأسرة الحاكمة عندما بدأ رجل دين محلي يدعى يوسف الزويفريني، في الركوب حول القلعة على ظهر حصان، معدياً أنه سيحرر بايدمُر، الذي كان يتمتع بشعبية بين عامة الشعب في دمشق باعتباره رجل دين في الأصل ولرفضه جمع الضرائب التي فرضها المماليك والتي لا أصل لها في الشريعة الإسلامية.[20] كما صدر أمر بالقبض على الزويفريني، على الرغم من أنه مثل ابن الحصباني، كان قادراً على الخضوع للقوانين البرجية.[21]

في 24 ديسمبر 1386، وصل البرهان وخالد وابن النجيب إلى القاهرة. ووجهت إليهم تهم التآمر للإطاحة بالحكومة البرجية وتنصيب خلافة بقيادة زعيم من أصول قرشية.[22] في 16 يناير 1387، تم إحضارهم أمام السلطان شخصياً للاستجواب والمحاكمة. كان البرهان متمرداً، واتهم برقوق لفظياً بسوء الحكم من خلال الاستيلاء على الضرائب التي لم يكن لها أساس نصي في الشريعة الإسلامية وأكد مطالبته بزعيم قرشي. غير مهتم بالمناقشة الجدلية، أمر السلطان برقوق بتعذيب السجناء حتى يكشفوا عن أسماء جميع المتآمرين معهم.[22]

تمت تبرئة اسم الحاكم المخلوع بايدمُر، لكن بعد وفاته وحيداً في زنزانته بالقلعة في فبراير 1387.[21] في مارس 1389، أُطلق سراح البرهان وخالد في القاهرة بعد أن قضيا عامين وسبعة أشهر فقط، وذلك بفضل شفاعة أحد الفقهاء الشافعيين المؤثرين؛ أما ابن النجيب، الذي أعيد إلى دمشق، فقد أُطلق سراحه مع الظاهرية الآخرين في القلعة بعد بضعة أيام.[23] الاستثناء الوحيد بخلاف بايدمُر كان اليسوفي، الذي توفي في القلعة في أغسطس 1387، قبل أكثر من عام من إطلاق سراح رفاقه.[24]

الذكرى

في حين اكتسبت الثورة زخماً مبكراً من الأفكار الظاهرية، إلا أنها اليوم تُرى أكثر من حيث التحريض السياسي ضد المماليك والاستياء العام من تهميش الخلافة.[25] المؤرخ المقريزي، الذي عادة ما يكون بعيداً عن موضوعات كتاباته، لم يكتف بسرد الثورة بل سعى إلى تبريرها دينياً، ويرجع ذلك على الأرجح إلى مكانته كظاهري.[26] وكان المقريزي أيضاً من تلاميذ البرهان المباشرين.[27]

الهامش

  1. ^ Chibli Mallat, Introduction to Middle Eastern law, pg. 116. Oxford: Oxford University Press, 2007. ISBN 9780199230495
  2. ^ Cheikh Si Hamza Boubakeur, Traite moderne de Theologie Islamique, pgs. 383–384. Paris: Maisonneve & Larose, 1993.
  3. ^ أ ب Ignác Goldziher, The Zahiris: Their Doctrine and Their History, pg. 179. Leiden: Brill Publishers, 1997. ISBN 9789004026322
  4. ^ أ ب Nasser Rabbat, "Who was al-Maqrizi?" pg. 13. Taken from Mamlūk Studies Review, Vol. 7, Part 2. Middle East Documentation Center, University of Chicago, 2003.
  5. ^ Ṭāhā Thaljī Ṭarāwinah, "The Province of Damascus During the Second Mamlūk Period (784/1382-922/1516)," pg. 109. Publications of the Deanship of Research and Graduate Studies, Muʼtah University, vol. 25. 1994.
  6. ^ Kees Versteegh, "Ibn Mada as a Zahiri Grammarian," pg. 213. Taken from Ibn Hazm of Cordoba: The Life and Works of a Controversial Thinker. Eds. Camilla Adang, Maribel Fierro and Sabine Schmidtke. Leiden: Brill Publishers, 2012. ISBN 9789004234246
  7. ^ Lutz Wiederhold, Legal-religious elite, temporal authority, and the caliphate in Mamluk society: conclusions drawn from the examination of a "Zahiri revolt" in Damascus in 1386. International Journal of Middle East Studies, vol. 31, pg. 225. Middle East Studies Association of North America, 1999.
  8. ^ Michael Chamberlain, Knowledge and Social Practice in Medieval Damascus, 1190–1350., pg. 167–174. Cambridge: Cambridge University Press, 1994.
  9. ^ ابن أبي العز محمد. مقدمة. - شرح العقيدة الصحيحة. لابن أبي العز. إد. مجموعة من العلماء. بيروت: المكتب الإسلامي ، 1988. 5-16
  10. ^ أ ب Ibn Qadi Shuhbah, al-I'lam bi Tarikh al-Islam, pg. 89.
  11. ^ Carl Brockelmann, Geschichte der Arabschen Litteratur. Zweite den Supplementbanden ange-passte Auflage. Vol. 1, pg. 400. Leiden: Brill Publishers, 1937–1949.
  12. ^ أ ب Shuhbah, pg. 304.
  13. ^ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة، vol. 1، ص. 514.
  14. ^ أ ب Shuhbah, pgs. 186-176.
  15. ^ Al-Maqrizi, Al Selouk Leme'refatt Dewall al-Melouk, vol. 3, part 2, pg. 549.
  16. ^ Ibn Hajr, Ibna al-Ghumr, vol. 2, pgs. 343–345.
  17. ^ Al-Sakhawi, Al-Daw' al-lami' li ahli al-Qarni al-Tasi, vol. 7, pg. 168.
  18. ^ Shuhbah, pg. 191.
  19. ^ Wiederhold, pg. 211.
  20. ^ Wiederhold, pg. 215.
  21. ^ أ ب Shuhbah, pg. 227.
  22. ^ أ ب Maqrizi, vol. 3, part 2, pg. 555.
  23. ^ Shuhbah, pgs. 268–269.
  24. ^ Shuhba, pgs. 228–229.
  25. ^ Wiederhold, pg. 224.
  26. ^ Rabbat, pg. 14.
  27. ^ Al-Maqrizi, Tajrid al-Tawhid al-Mufid, pg. 33 of the introduction of Sabri bin Salamah Shahin. Riyadh: Dar al-Qubs, 2005. ISBN 978-9960-49-202-5