تل الخروبة
تل الخروبة في شمال سيناء يعد موقع أثري بالغ الأهمية، حيث أعلنت البعثة الأثرية العاملة فيه عن اكتشاف قلعة عسكرية ضخمة تعود إلى عصر الدولة الحديثة. ويكشف هذا الاكتشاف عن الدور الاستراتيجي لتل الخروبة كبوابة شرقية لمصر، كما يُبرز تطور التخطيط العسكري والهندسة الدفاعية لدى المصريين القدماء، مؤكدًا المكانة التاريخية لسيناء باعتبارها الدرع الواقي لحدود مصر الشرقية.[1]
الوصف
أسفرت أعمال الحفائر الأثرية في تل الخروبة بشمال سيناء عن اكتشاف قلعة عسكرية جديدة تبلغ مساحتها نحو 8000 متر مربع، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحة القلعة التي تم العثور عليها في الموقع نفسه خلال ثمانينيات القرن العشرين، وتقع على بُعد نحو 700 متر جنوب غرب القلعة الحالية.
وتُعد هذه القلعة من أكبر وأهم القلاع المكتشفة على طريق حورس الحربي بالقرب من ساحل البحر المتوسط، إلى جانب مواقع أخرى بارزة مثل تل حبوة، وتل البرج، والتل الأبيض، وجميعها تعود إلى عصر الدولة الحديثة.
وكشفت أعمال التنقيب عن جزء من السور الجنوبي للقلعة بطول يقارب 105 متر وعرض 2.5 متر، يتوسطه مدخل فرعي بعرض 2.20 متر، بالإضافة إلى أحد عشر برجًا دفاعيًا تم الكشف عنها حتى الآن. كما تم العثور على البرج الشمالي الغربي وأجزاء من السورين الشمالي والغربي، رغم التحديات التي واجهتها البعثة المصرية نتيجة الكثبان الرملية المتحركة التي غطّت أجزاء واسعة من الموقع الأثري.
كما كشفت أعمال التنقيب في تل الخروبة عن سور زجزاجي يبلغ طوله نحو 75 مترًا في الجانب الغربي من القلعة، يقسمها من الشمال إلى الجنوب، ويُحيط بمنطقة سكنية كانت مخصصة للجنود. ويُعد هذا النمط من التصميمات من السمات المعمارية المميزة لعصر الدولة الحديثة، ويعكس قدرة المعماري المصري القديم على التكيّف مع الطبيعة الصحراوية والبيئة القاسية في سيناء.
كما تم العثور على كسرات وأوانٍ فخارية متنوعة، من بينها ودائع أساس تعود إلى النصف الأول من عصر الأسرة المصرية الثامنة عشر، وُجدت أسفل أحد الأبراج. كذلك تم اكتشاف يد إناء مختومة باسم الملك تحتمس الأول، إلى جانب كميات من الأحجار البركانية يُرجّح أنها نُقلت بحرًا من براكين جزر اليونان، بالإضافة إلى فرن كبير لإعداد الخبز عُثر بجواره على كميات من العجين المتحجّر، وهو ما يُشير إلى أن القلعة كانت مركزًا متكاملًا للحياة اليومية للجنود المصريين في تلك الفترة.
آراء علمية حول الاكتشاف
قال عالم الآثار المصري الدكتور حسين عبد البصير أن هذا الكشف يؤكد أن المصريين القدماء لم يكونوا فقط عباقرة في بناء المعابد والمقابر التي تمجّد الحياة الآخرة، بل كانوا أيضًا روادًا في التنظيم العسكري والهندسة الدفاعية؛ إذ شيّدوا منظومة متكاملة من القلاع والحصون والتحصينات على امتداد طريق حورس الحربي لتأمين حدود البلاد وطرقها التجارية والعسكرية.
وأوضح أن تصميم القلعة الجديدة يعكس عبقرية هندسية راقية، لا سيما في السور المتعرج (الزجزاجي) والبرج الدفاعي الكبير والمدخل الفرعي المحصن، وهي عناصر معمارية متطورة سبقت زمانها، وتُظهر كيف كان المصري القديم قادرًا على دمج العلم بالفن في خدمة الأمن القومي.
وأشار إلى أن العثور على ودائع الأساس المختومة باسم الملك تحتمس الأول يمنح الاكتشاف بُعدًا تاريخيًا مهمًا، إذ يرجع بناء القلعة إلى بدايات الأسرة الثامنة عشرة، وهي المرحلة التي شهدت بزوغ الإمبراطورية المصرية خارج حدودها التقليدية.
وأضاف أن وجود فرن للخبز وكميات من العجين المتحجر يفتح نافذة على الحياة اليومية داخل القلعة، ويجعلنا نرى الجنود المصريين ليس فقط كمقاتلين، بل كبشر يعيشون ويأكلون ويؤدون واجبهم في ظروف قاسية، بإيمان عميق بحماية الوطن.
وتابع الدكتور عبد البصير قائلًا: "هذا الكشف يعيد التأكيد على أن مصر القديمة كانت دولة مؤسسات منظمة، تقوم على الفكر والتخطيط والعلم، وأن الجيش المصري لم يكن مجرد قوة حرب، بل مدرسة في الإدارة والانضباط. فكل حجر في هذه القلعة يحكي قصة وطنٍ آمنٍ حدوده بعلمه وإرادته قبل سلاحه."[2]
المصادر
- ^ "وزارة السياحة والآثار أعلنت اكتشاف البعثة الأثرية المصرية العاملة بموقع تل الخروبة الأثري بمنطقة الشيخ زويد بشمال سيناء عن قلعة عسكرية من عصر الدولة الحديثة". El Fasla. 2025-10-12. Retrieved 2025-10-18.
- ^ "تل الخروبة .. اكتشاف قلعة عسكرية ضخمة بسيناء يُعيد رسم خريطة التاريخ العسكري لمصر القديمة". elbalad. 2025-10-12. Retrieved 2025-10-18.