سيد الركابي
سيد الركابي | |
---|---|
![]() | |
وُلِدَ | |
توفي | 27 ديسمبر 2024 |
سيد ركابي ( - 27 ديسمبر 2024) من مواليد قرية الجعافرة محافظة أسوان، والجعافرة يعود نسبهم إلى جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، ويعد من المغنين القلائل المتمسكين بأصول الغناء الشعبى (التقليدى) فى جنوب مصر. تعلم أساليب الغناء على يد كبار حفظة التراث الجعفرى كاليثى وأبو الأمين الذى يعتمد على نماذج مختلفة من الشعر العربى الشعبى كالنميم.
صلوا عليه .. صلوا عليه.. صلوا عليه .. نبينا العربي .. صلوا عليه صلوا علي اللي ظَلُّه ظِل الغمام يوم سار ينفق باليمين اللى ما تدري به يسار ثم صلوا .. صلوا بإكثار علي آل بيته واصحابه والأنصار ــ يتخذ الفنان الشعبي «سيد الركابي» هذه الاستهلالة مُفتتحاً لكل حفلاته، ومبتدءاً لأغانيه، وحين سألته قال: «لأننا من الجعافرة.. وجدنا الأكبر سيدي جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين ابن الإمام الحسين بن الإمام علي كرم الله وجهه.. وأبدأ بها عشان تتشال من قلبي أي حاجة وحشة، وكمان تتشال من قلب أي حد من الجمهور.. فالصلاة علي النبي في البدايات مثل دخول البيوت.. تعمل ونس.. وتمنح إحساسا بالأمان وكل «جواب يبان من عنوانه»، وهذه البداية عنواني، باسم الله والصلاة علي النبي، غناؤنا محترم حتي في أفراحنا، والأمر يعتمد علي نِيَّة الفنان، ولو صادفتني أبيات فيها أية إيحاءات لا أغنيها في حضور بنات وسيدات، وأية حفلة تكون حالة، وأحيانا تكون هناك حسناء حضورها قوي، لا أركز معها «عشان ما اتلخبطش»، وأحيانا تكون هناك ملكة شريفة حضورها جميل، تداعبها الأغاني إبداعيا، بالاحترام و«الرباية اللي ربانا عليها أبويا». دنيا يا دنيا .. ما كفاية اللي جري
راجل وملو هدومه .. في البيت حاكماه مَرَااااه
حين سمعته أول مرة يغني » نعناع الجنينة« ذائعة الصيت، أحسست أن صوته من الغابات، كما خلقه الله، وبدا إحساسه أجمل من الموسيقي، واكتشفت أن أغانيه منتشرة بأصوات أخري، ولا يغضبه هذا، فيكفيه إسعاد الناس، ويرضيه هو وأخويه «فتحي وجمعة» أن يستمتعوا بالغناء.
حين عرفت أنه سيقيم حفلا بأحد المنتديات الثقافية ذهبت لأراه فقد كنت أتصوره خارج دوائرنا. كان يغني بلا «مايك» ولا «سمَّاعات»، ويحب الضوء الخافت، ويصنع علاقة حميمة مع جمهوره كله من أول لحظة كأنه يعرفهم شخصيا، ويتلفت مبتسما ليعطيهم وجهه، ويُوزّع صوته عليه بعدالة، فيظن كل منهم أنه يقصده ويغني له، وهذه مهارة لا تُكتسب بل تجئ من الروح الطيبة، التي تستهل لياليها بمدح النبي لتنقية القلوب قبل الاستمتاع بالطرب الشعبي .
في البداية اندهشت من اختلاف بين » تسجيل الاستوديو« الذي سمعته أول مرة وصوته المباشر، لكني سريعا ما فطنت لفكرته في الاستغناء عن الوسائط التقنية بين صوته وآذاننا، فهو يريد لصوته أن يخرج من قلبه إلي قلوبنا بحلاوته الصافية.
بتناديني تاني ليـــــــــــــه
إنتـــــــي عـــــــاوزة مني إيه
ما خلاص حبيتي غيري
روحــــــــــــي للي حـــــــــــــبتيه
إحنا أخلص حبيبين كنا
والناس باخلاصنا بتتغني
شوهتي كل صورة حلوة
والحــــب كله ضيعتـــــــــــــــيه
يغني سيد، ويرد عليه «فتحي وجمعة» في »هارمونية« حميمة، الأكف لا تتوقف عن التصفيق بإيقاع الأغنية، في منظومة مخلصة لفن النميم، الذي يتوافق مع روح سيد وأدائه، لأنه ينم بالفطرة عن مكنون من يؤديه، ويعكس مشاعره، ويضيف إلي ما راكمته الجماعة الشعبية، فـ«المُطارحة الشعرية» علي التنافس والتناغم في آن، فكل شاعر يطرح أحلي ما عنده، ويحاول المتباري الآخر الرد عليه بأفضل ما عنده، ويسعي كل منهما إلي الفوز، بنمنمة ما يقوله، وزخرفته، حتي يمس كلامه القلوب، ويؤثر في الجمهور، يحرص كل منهما على سعة الأفق، وقوة الذاكرة، وطولة البال، فالفوز يتطلب الصبر علي المنافس حتي تفرغ جعبته، لهذا قد يمتد الغناء حتي الصباح إذا اشتدت المنافسة، والحكم يكون للجمهور. وهو ما اختزنه «سيد ركابي» واستفاد به قصي استفادة، وحققه في غنائه، وتناغمه مع وأخوته، حيث يحلِّق بصوته، ويصدحون هما بأكفهما وحناجرهما، يردوا عليه بالصوت والإيقاع، لذا اقترن اللفظان «الكف والنميم»، كونهما صنوان لفن واحد، و مرادفين للمعني ذاته.
آآه يا غرامي وآااه آآه يا غرامي وآآآه
آآه يا غرامي وآآآه يــــــا ظالمني منك لله
أحلي من البيض والسمر بجمالك أنا شفت القمر
أؤمرني وانا تحت الأمر يا قمر عالي في سماه
ورث سيد هذه التركة الشعبية المبهجة عن مغنين كبار سبقوه، وأسهموا بحسِّهم الشعبي، وحناجرهم الفطرية في حفظ وتطوير فن النميم، الذي يسمي «الدوبيت» في السودان، ولدي العبابدة والبشارية أيضا، وتتقاسمه كل قبائل أسوان تقريبا، وتفتح وعيه علي سيرة «إسماعيل أبو حاج» أول من غني «نعناع الجنينة»، وقاد مشاركة قريته «الجعافرة» في الترحيب بالملك فؤاد حين زار الصعيد في مركبه، وكذلك «الريس حفني» أول من غني «شفيقة ومتولي» وكان سببا في انتشارهاوتربي علي أصوات «الليثي»، و«أبو الأمين» و«رشاد عبد العال»، وتتلمذ في مدرسة «أبو درويش»الذي غني النميم والمربوعة والكف وغناء السودان.
ولد «سيد ركابي» في القاهرة، وبعدما أنهي مراحل التعليم الأولي أرسله أبوه إلي قريتهم الجعافرة التابعة لــ «دراو» بأسوان، وهناك عاش الغناء الشعبي مع قبيلته في منابعه، حيث القريحة الشعبية تؤلف وتلحن براحتها، وتساعدها فنونها الفطرية، وعرف «الهنَّة»، التي تعد همهمة موجعة صادرة عن القلب، «هيي هيي هيي هيي» ويقول عنها: «لايرتجلها إلا مجروح القلب». وسمع «المشالات» جمع «مشال» ويقصد به «الهم» الذي يشغل شخصا ما، لو زرعته خابت مثلا، أو كان يحب بنت وراحت منه، أو ابنه مريض، وما إلي ذلك، فيعبر عنه بالغناء المرتجل، وكذلك رأي غناء «الدور»، وهو يختلف عن الدور القاهري الكلاسيكي، فالمقصود بــ«الدور» هنا أن يأخذ ممثلو القبائل المشاركة في العرس دورا في ارتجال الشعر تحية لأصحاب العرس، ويرد عليهم المغني حتي يكتمل الدور بمشاركة جميع الحضور.
وهناك رأي شيئا ليس متاحا في القاهرة، حيث الفلاح يسلي نفسه بالغناء وهو يروي فدانه ليونس نفسه،و«تزييق» الشادوف «يدوزن» له أغانيه، والراعي وهو يغني لجماله، أو أغنامه، لدرجة» أن البهيمة لا تأكل إلا إذا غني لها، ويبقوا هم الاتنين فرحانين«، وكذلك صياد السمك وهو يغني في النيل، فجذبته هذه العلاقة بين الانسان والطبيعة، و«والهارموني» بينهما، وهو ما شجعه مرة علي الغناء في سوق الجمال في دراو، وفوجئ بالجمال «تعطيه الدوزن» أي تهمهم، «هم هم هم هم»، وما زال يستخدم إيقاع «خبب» الجمال في بعض أغانيه، ولفت نظره «غناء الطبيعة» علي حد قوله، مثل صوت الزرع حين يداعبه الهواء، والشجر عندما يهتز بنعومة، وصوت الماء.[1]
شديت فوق عود أبيض يقولوا بشاري
بقيت ماسك اللجام وعاصر الرسن ( المكلاب )
طلعت من الفجر من بدري قايم ساري
منشان الحق اطلعت البخور عصاري
ـــ ( ينطق حرف القاف جيم في كل الكلمات )
ــ وبمناسبة البخور يقول سيد : الست عندنا تتحني وتتعطر لتهوين شقاء اليوم علي زوجها، وتطلق رائحة البخور في البيت، وقبل انتشار التليفزيون كانا يتسامران ويتخلصان معا من متاعب الحياة.
ــ علي قاضي الغرام أنا اللي بصدر أمري
من فوق القصور غني الحمام والقمري
وفي حفلاتكم بقدم أحسن نمري
شايف الليلة دي من أحل أيام عمرى.
يقدم سيد ركابى مجموعة من الأغانى الجعفرية التقليدية التى تعتمد على الأصوات البشرية وآلة الدف.
مشواره الفني
جاء للقاهرة فى أواخر الثمانينيات وعمره 22 عامًا، بتشجيع الفنان النوبى صلاح عبدالكريم؛ للبحث عن فرص أكبر للغناء والانتشار، ثم شارك فرقة «الريس على كوبانى» فى عدة أفراح بمنطقة عابدين، ولكن لاحظ انتشار الفنين النوبى والسودانى فقط وغيابًا تامًا للفن الجعفرى، وقرر آنذاك محاولة نشر هذا الفن، وقد تحقق أهدافه بعد سنوات، وسافر بالنميم والكف إلى العالم وليس القاهرة فقط، ومنها مسرح العالم العربى فى باريس الذى وقفت عليه كوكب الشرق وعبدالحليم حافظ، وسافر إلى النرويج وألمانيا ودول آسيا، بصحبة المركز الثقافى المصرى للفنون، وقف على هذه المسارح مع المعلمين الكبار مثل الشيخ برين، خضر العطار، والمرحوم حسن جازولى حامل التراث الكنزى، والست جمالات شيحة، فاطمة سرحان، يوسف شتا، فتحى الهوارى.
عندما تعرف على المنتج إبراهيم الخطيب، كان متحمسًا جدًا لأغنية «نعناع الجنينة»، ولكنه كان يرفض تسجيلها بإيقاعها الأصلى البطىء وطلب إضافة أغانى أفراح شعبية تجارية أخرى، ولكن صمم على تقديم الأغنية بمصاحبة العود، وحققت نجاحًا كبيرًا عام 1992، حتى إن أرباحها جعلت المنتج ينقل مقر الشركة من العتبة إلى المهندسين. وانطلق بعدها بالغناء الجعفرى يجوب الأفراح والحفلات وأصبح الجمهور متعطشًا لسماع هذا اللون المختلف. وكان أول ألبوم حتى الرابع الذى صدر عام 2014 من إنتاج المركز الثقافى المصرى بدعم من المعهد الفرنسى بالقاهرة.
الفن الجعفرى
هو فن ارتجال بالدرجة الأولى، والجعافرة يعود نسبهم إلى جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب (رضى الله عنه)، فقبيلتى انحدرت من شبه الجزيرة واستقرت فى أسوان، وتوارثت هذا الفن عبر الأجيال المختلفة باعتباره أحد أشكال الغناء الشعبى التقليدى فى صعيد مصر، والفن الجعفرى بمثابة مَظلة تنبثق منها ألوان فنية متعددة منها؛ النميم، أبوعاجة، الواو، الكف الصعيدى.[2]
البعض يعتبر الفن الجعفرى يندرج تحت عباءة الفن النوبى، ربما تمثل العباءة انتماءً جغرافيًا، ولكن ليس فنيًا؛ لقُرب سَكن النوبيين بجوار القبائل العربية كالعبابدة والجعافرة، ولكن الغناء الجعفرى يكون باللغة العربية، أمّا النوبى فيكون بلغة نسميها «رتانة» خاصة لا يفهمها سوى قطاعات محدودة، ولكن هذا لا يمنع أن الفنان الجعفرى يغنى أحيانًا على أنغام السّلم الخماسى، وطورت أجيالًا وكنت واحدًا ممن قام بمزج الغناء الجعفرى مع المقامات الشرقية والغناء النوبى.
فن الكف الصعيدى
الكف أيضًا فن ارتجالى كان يستند على إيقاع «التار» (آلة إيقاعية تشبه الدف) والتصفيق بين المغنى والجماعة، ويتم تداوله فى المناسبات السعيدة كالأفراح، ختان الذكور وليالى السَّمَر بين القبائل المختلفة كمبارزة شِعرية ليلية، ولكن تطور هذا الفن فى السبعينيات على يد المرحوم رشاد عبدالعال وأبو درويش؛ حيث أدخلا على ألحانه العود كآلة إيقاعية ووترية فى الوقت ذاته، وكان يتماشى ذلك مع فكرة التسجيل بالإذاعة وذيوع صيت الراديو.
فن النميم
النميم مصطلح يأتى من «الوَنسة» فى الشعر، تلك المطارحة بين الشعراء فى الجلسات الشعرية التى ورثها العرب، هو فن يعتمد على الإلقاء والحكى؛ حيث يطرح فى هذه «الونسة» أو «السهرة» موضوع يتفاعل معه الشعراء سياسيًا أو دينيًا أو ثقافيًا، وتبدأ المبارزة الشعرية عادة بين اثنين من الشعراء، ويعتمد «النميم» على قدرة الشاعر وثقافته، و«النمنمة» هنا تعنى الزخرفة وقدرة الشاعر على البَوح بمخزون لغوى من المفردات والصور والمحسنات البديعية التى تنم عن ثراء قريحته الإبداعية، وجلسات النميم تسوده حالة من التنافسية فى حضور الجمهور المتابع بحماس، ويحرص كل شاعر أن يستمر فى غنائه حتى يهزم الطرف الآخر ويتوقف عن الغناء والشعر. وكثيرًا ما كانت تمتد جلسات النميم والسهرة إلى الصباح.
مرئيات
نعناع الجنينه الأصلية سيد الركابى. |
الهامش
- ^ "رأى الفلاحين يقاومون الشقاء بالغناء، فغنَّى للجمال سيد الركابي صوت الكف والنميم". الأهرام. 2014-02-15.
{{cite web}}
: line feed character in|title=
at position 51 (help) - ^ "سيد ركابى: «الكينج» أخطأ فى غناء «نعناع الجنينة»!". magazine.rosaelyoussef. 2019-11-09. Retrieved 2024-12-31.