الإسلام في عهد أسرة سونگ

لم يؤثر انتقال الحكم من أسرة تانگ إلى أسرة سونگ (960-1279) في الصين بشكل كبير على توجهات المسلمين الصينيين التي نشأت في عهد أسرة تانگ.

استمرار تزايد النفوذ الإسلامي

بدأ العديد من المسلمين بالتوجه إلى الصين للتجارة في عهد أسرة تانگ. وفي عهد أسرة سونگ (960-1279)، بدأ المسلمون يُحدثون تأثيراً ونفوذاً اقتصادياً أكبر في البلاد. سيطر المسلمون في الصين على التجارة الخارجية وصناعة الاستيراد والتصدير جنوباً وغرباً.[1] في الواقع، كان منصب مدير عام الشحن في ميناء تشوان‌ژو البحري العظيم في الصين يشغله مسلم باستمرار خلال تلك الفترة.[2]

وفي الوقت نفسه، كان الرواة العرب يروون قصصاً خيالية من الصين، والتي دُمجت في ألف ليلة وليلة مثل "حكاية قمر الزمان وبدور"، و"قصة الأمير سيف الملوك"، و"حكاية الأحدب".[3]

هجرة المسلمين إلى الصين

خلال عهد أسرة سونگ، بدأ عدد متزايد من المسلمين الأجانب في الاستقرار بشكل دائم في الصين وبدأوا في الزواج من السكان المحليين.[4]

أبدى الإمبراطور تاي‌زو، (أول أباطرة أسرة سونگ، ح. 960-976)، أيضاً اهتماماً كبيراً بالعلوم والتكنولوجيا. وظّف ورشة العمل الإمبراطورية لدعم مشاريع مثل المُحـَلـَّقة الهيدروليكية التي صممها ژانگ سي‌شون (للرصد الفلكي وقياس الوقت)، والتي استخدمت الزئبق السائل بدلًا من الماء (لأن الزئبق السائل لا يتجمد في الشتاء).[5] كان الإمبراطور تاي‌زو أيضاً منفتحاً جداً في شؤون الحكم، وخاصةً مع من يُنظر إليهم باعتبارهم أجانب: فقد عيّن العربي المسلم ما يي‌زى (910-1005) كبير علماء الفلك في بلاط سونگ. ولغرض استقبال المبعوثين من مملكة گوريو الكورية وحدها، كُتب في بلاط سونگ ما يقرب من 1500 مجلد حول القواعد واللوائح والإرشادات الدقيقة لاستقبالهم.[6] كما أرسلت أسرة سونگ مبعوثين إلى الخارج، مثل وانگ يان‌دى (939-1006)، الذي أُرسل كمبعوث رسمي إلى مدينة گاوتشانگ الأويغورية التركية عام 981،[7] التي كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة القرةخانات.

سافر قائد البحرية المصري دمياط في العصر الفاطمي إلى موقع حج بوذي في شان‌دونگ عام 1008، حيث قدم للإمبراطور الصيني ژن‌زونگ، من أسرة سونگ، هدايا من الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، مما أدى إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين مصر والصين كانت قد فقدت أثناء انهيار أسرة تانگ عام 907 (بينما تأسست الدولة الفاطمية بعد ثلاث سنوات عام 910).[8] في عهد أسرة سونگ الشمالية، كانت مدينة تشوان‌ژو بالفعل ميناءً مزدحماً يزوره عدد كبير من الأجانب، من العرب المسلمين، الفرس، المصريين، الهنود الهندوس واليهود الشرق أوسطيين، المسيحيين النساطرة من الشرق الأدنى، وغيرهم. سيطر المسلمون من الدول الأجنبية على صناعة الاستيراد والتصدير (انظر الإسلام في عهد أسرة سونگ).[9] ولتنظيم هذا المركز التجاري الضخم، أسست حكومة سونگ الشمالية عام 1087 مكتباً في تشوان‌ژو لغرض وحيد هو التعامل مع الشؤون والمعاملات التجارية البحرية.[10] وفي هذه البيئة متعددة الثقافات، أتيحت العديد من الفرص للرعايا من ذوي الأصول الأجنبية في الإمبراطورية، مثل المسلم (العربي أو الفارسي) پو شوگنگ، مفوض الشحن التجاري في تشوان‌ژو بين عامي 1250 و1275.[11] لقد اكتسب پو شوگنگ مكانته المرموقة من خلال مساعدة الصينيين في تدمير قوات القراصنة التي ابتليت بها المنطقة، وبالتالي تم إغداق الهدايا والتقدير عليه من التجار والمسؤولين الصينيين.[12] سرعان ما أصبحت تشوان‌ژو تتنافس مع گوانگ‌ژو (أعظم ميناء بحري في عهد أسرة تانگ السابقة) كمركز تجاري رئيسي خلال أواخر عهد أسرة سونگ الشمالية. ومع ذلك، لم تفقد گوانگ‌ژو أهميتها تماماً. فقد قام القبطان البحري العربي أبو حمير من اليمن بجولة في گوانگ‌ژو عام 993، وكان زائراً شغوفاً للصين.[13] كانت هناك موانئ بحرية دولية بارزة أخرى في الصين خلال عهد سونگ أيضاً، بما في ذلك شيامن (أو أموي).[14]

عام 1070، دعا الإمبراطور شن‌زونگ 5.300 عربي من بخارى للاستقرار في الصين. استخدم الإمبراطور هؤلاء الرجال في حملته ضد أسرة لياو في الشمال. لاحقاً، استقر هؤلاء المسلمون بين كاي‌فنگ، عاصمة سونگ الشمالية، وين‌تشينگ (يان‌جينگ، بكين حالياً).[15][16] كان الهدف إنشاء منطقة عازلة بين أسرتي سونگ ولياو. عام 1080، هاجر 10.000 رجل وامرأة عربي إلى الصين في عهد أسرة سونگ على ظهور الخيل، واستقروا في جميع مقاطعات الشمال والشمال الشرقي.[17]

في عهد الإمبراطور شياوزونگ، زاد الصينيون عدد البعثات التجارية التي كانت ترسو في موانئ المحيط الهندي، حيث كان النفوذ العربي والهندوسي سائداً في السابق. أبحر الصينيون بانتظام إلى كوريا واليابان في الشرق الأقصى، وغرباً نحو الهند وسريلانكا، وإلى الخليج العربي والبحر الأحمر.[18] كان الصينيون حريصين على استيراد السلع مثل الأخشاب النادرة والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة والتوابل والعاج، في حين كانوا يصدرون سلعاً مثل الحرير والسيراميك والورنيش والنحاس والنقد والأصباغ وحتى الكتب.[19] عام 1178، كتب ضابط الجمارك في گوانگ‌ژو ژو تشويْ في الجواب من وراء الجبال (لينگ‌واي داي‌دا) عن جزيرة تقع في أقصى الغرب في المحيط الهندي (ربما مدغشقر) حيث أُسر أشخاص ذوي بشرة "سوداء مثل الورنيش" وشعر مجعد واشتراهم التجار العرب كعبيد.[20] بصفتها تاجراً بحرياً هاماً، ظهرت الإمبراطورية الصينية أيضاً على الخرائط الجغرافية للعالم الإسلامي. عام 1154، نشر الجغرافي المغربي الإدريسي كتابه الجغرافيا، حيث وصف السفن البحرية الصينية بأنها تحمل على متنها سلعاً مثل الحديد والسيوف والجلود والحرير والمخمل، بالإضافة إلى منسوجات من عدن (اليمن حالياً)، ومنطقة نهر السند، ومنطقة نهر الفرات (العراق حالياً).[18] كما أشاد بالحرير المُصنع في تشوان‌ژو باعتباره لا مثيل له في العالم من حيث الجودة، في حين كانت العاصمة الصينية هانگ‌ژو معروفة في جميع أنحاء العالم الإسلامي بأنها منتج رئيسي للأواني الزجاجية.[18] بحلول القرن الثالث عشر على الأقل، كان الصينيون على دراية بقصة منارة الإسكندرية القديمة، حيث وصفها بالتفصيل ژاو روگوا، مفتش الجمارك في تشوان‌ژو في عهد أسرة سونگ الجنوبية.[21]

كان العرب من بخارى تحت قيادة الأمير السيد "السفير" (索菲尔).[16] وقد مُنح الأمير لاحقاً لقباً فخرياً. ويُشاع أنه "أب" الجالية المسلمة في الصين. قبله، كان الصينيون في أسرتي تانگ وسونگ يُطلقون على الإسلام "شريعة العرب" (Dàshí fǎ 大食法؛ Dàshí المشتقة من الترجمة الصينية تازي — الاسم الذي يطلقه الفرس على العرب).[22] بدلاً من كلمة "سفير" أصبح يُطلق عليه اسم "هوي‌هوي -جياو" (回回教) نسبة إلى دين الهوي‌هوي.[23]

وتزوج بعض المسؤولين الصينيين في عهد أسرة سونگ أيضاً من نساء الداشي (العرب).[24]

أبرز المسلمين في الصين

عام 1031، وصل تاجر بارز وسفير الخلافة العباسية يُدعى أبو علي إلى بلاط الإمبراطور رن‌زونگ لتقديم الهدايا. في المقابل، كافأ رن‌زونگ أبي علي بخمسين ألف أوقية من الفضة. سرعان أبو علي ما استقر في گوانگ‌ژو وتزوج ابنة جنرال صيني. تولى أحفاد علي (الذين يحملون لقب پو) مناصب عليا لاحقاً في عهد أسرتي سونگ ويوان، حيث شغلوا مناصب بيروقراطية ورجال دولة ومسؤولين عسكريين وعلماء كونفوشيوسية وتجاراً ذوي نفوذ.[25]

في عهد أسرة سونگ، اشتهر مسلم صيني يُدعى ليانگ جيْ‌گو بمهاراته الطبية. وصل أسلافه من شبه الجزيرة العربية واستقروا في كاي‌فنگ. منح أحد أباطرة سونگ عائلته لقب "ليانگ".[26]

كان من أبرز تجار گوانگ‌ژو وتشوان‌ژو في عهد أسرة سونگ التاجران المسلمان پو وشي نووٍيْ. وصل پو إلى الصين من تشامپا بينما كان شي من سومطرة. لعب التاجران المسلمان مثل پو وشي دوراً هاماً في شبكة التجارة بين الصين وجنوب شرق آسيا.[27]

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "BBC - Religion & Ethics - Islam in China (650-present): Origins". www.bbc.co.uk.
  2. ^ "ISLAM IN CHINA". Archived from the original on 2011-09-28. Retrieved 2007-04-15.
  3. ^ Ulrich Marzolph, Richard van Leeuwen, Hassan Wassouf (2004). The Arabian Nights Encyclopedia. ABC-CLIO. pp. 521–2. ISBN 978-1-57607-204-2.
  4. ^ Betta, Chiara (2004). The Other Middle Kingdom: A Brief History Of Muslims In China (in الإنجليزية). University of Indianapolis Press. p. 3. ISBN 978-0-88093-853-2.
  5. ^ Needham, Volume 4, Part 2, 469–471.
  6. ^ Ebrey, Cambridge Illustrated History of China, 138.
  7. ^ Brose (2008), 258.
  8. ^ Shen, 158.
  9. ^ BBC page about Islam in China
  10. ^ Wang, 14.
  11. ^ Needham, Volume 4, Part 3, 465.
  12. ^ Rossabi, 92.
  13. ^ Shen, 157–158.
  14. ^ Sivin, III, 5.
  15. ^ Hagaras, Hamada (2017). "An Ancient Mosque in Ningbo-China, 'Historical and Architectural Study'". Journal of Islamic Architecture. 4 (3): 102–113. doi:10.18860/jia.v4i3.3851.
  16. ^ أ ب Hagras, Hamada (2019). "Xi'an Daxuexi Alley Mosque: Historical and Architectural Study". Egyptian Journal of Archaeological and Restoration Studies "EJARS". 1: 97–113. Archived from the original on 2019-12-13. Retrieved 2021-09-30.
  17. ^ Israeli (2002), pg. 283-4
  18. ^ أ ب ت Shen, 159–161.
  19. ^ Paludan, 142.
  20. ^ Levathes, 37.
  21. ^ Needham, Volume 4, Part 3, 662.
  22. ^ Israeli, Raphael (2002). Islam in China. United States of America: Lexington Books. ISBN 0-7391-0375-X.
  23. ^ Israeli (2002), pg. 284
  24. ^ Maria Jaschok, Jingjun Shui (2000). The history of women's mosques in Chinese Islam: a mosque of their own. Routledge. p. 74. ISBN 978-0-7007-1302-8. Retrieved 2010-06-29.
  25. ^ Frankel, James (2021). Islam in China (in الإنجليزية). Bloomsbury Academic. pp. 43–44. ISBN 978-1-78453-980-1.
  26. ^ Lynn, Aliya Ma (2007). Muslims in China (in الإنجليزية). University of Indianapolis Press. pp. 41–42. ISBN 978-0-88093-861-7.
  27. ^ Chaffee, John W. (2018). The Muslim Merchants of Premodern China: The History of a Maritime Asian Trade Diaspora, 750–1400 (in الإنجليزية). Cambridge University Press. pp. 120–121. ISBN 978-1-108-64009-1.