مصر في حرب 1948
تتناول هذه المقالة دور الجيش المصري في حرب 1948.
مقدمة
إن التاريخ بالنسبة أي أمة هو ذاكرتها الحية، وبقدر ما كانت ذاكرة الأمة نشيطة وحيوية بقدر ما تستفيد هذه الأمة منأحداث ماضيها وتتخذه قوة دافعة في بناء مستقبل أفضل، فالأمم تتعلم من تاريخها ومن أخطائها بقدر ما تفتخر بانتصاراتها ومنجزاتها الحضارية. لقد بدأ الصراع العربي الإسرائيلي مع نهاية القرن التاسع عشر، ولم تنته فصوله بعد، وهو في جوهره صراع على العقيدة والأرض، وهي أرض فلسطين التي هي قلب الوطن العربي، وأنه صراع شعب يدافع عن أرضه وتاريخه ووطنه في مواجهة أعتى وأقوى غزو واحتلال صهيوني استعماري في العالم كله.
ويتضح من متابعة الصراع الذي تمر به القضية الفلسطينية حقيقة الضعف والتخلف العربي معا، وهذا أدى إلى تسهيل مهمة الصهيونية العالمية والدول الاستعمارية لتحقيق أهدافها في هذه المنطقة، وتتضح أيضاً الفجوة الواسعة بين العرب وإسرائيل ثقافياً وعسكرياً واجتماعياً واقتصادياً والتي ساعدت في تحقيق الحلم الصهيوني حتى الآن. ومن هنا ركزت الدعاية الصهيونية بقوتها وسطوتها على فلسطين باعتبارها المكان الوحيد لإنشاء الدولة الصهوينية، حيث أخذت الدعاية الصهوينية تربط تاريخياً بين اليهود وأرض فلسطين وبزعم أن لهم الحق في العودة إلى وطنهم القديم، واستندت تلك الدعاية إلى نسيج من الأساطير يقوم على استغلال العاطفة الدينية في الدول الغربية المسيحية، وتعمل دائماً على طمس الهوية العربية الفلسطينية، والترويج لمقولة: "شعب بلا أرض يحتل أرضاً بلا شعب"، وكما ادعت جولدا مائير سائلة: "أين هم الفلسطينيون لا يوجد شعب يحمل هذا الاسم" وسعت الصهيونية جاهدة بكل الوسائل المتاحة أمامها لإثبات ما تروجه من ادعاءات باطلة بأنهم أصحاب الحق في الأرض وإن الأرض هي أرض أجدادهم وآبائهم وبأنهم هم (شعب الله المختار وأن هذه الأرض هي أرض الميعاد).
تتناول هذه المقالة موضوعاً مهماً جداً في تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر بل هي قضية العصر ألا وهو الدور المصري في حرب فلسطين 1948 فقبل حرب فلسطين بستة أشهر لم تكن القيادة السياسية في مصر قد خططت لما ستفعله عند إعلان نهاية الانتداب البريطاني في 14 مايو 1948، وكان أقصى ما قام به رئيس الوزراء النقراشي هو إقامة مركز قيادة عسكري في العريش فيه كتيبة مشاة معززة بمدافع هاون لمنع الاضطرابات التي قد تحدث في فلسطين أن تعبر إلى مصر، وكان إسماعيل صدقي والنقراشي يعارضان تدخل عسكري مصري في فلسطين على اعتبار أن مصر عسكرياً ليست مستعدة. وكان رأي إسماعيل صدقي أن مصر ممكن أن تتعايش مع دولة يهودية على حدودها الشرقية وفقاً لقرار التقسيم. أما الملك فاروق فكان يتنازعه آراء ساسته من ناحية وتشجيع السعوديين والعراقيين له لدخول الحرب من ناحية اخرى، وكذلك رغبته في إثبات قيادة مصر للعالم العربي وقيادته هو شخصيا للأمة العربية وما يترتب على ذلك من مسئوليات.
ولكن قبل انتهاء الانتداب البريطاني لفلسطين بأسبوعين، حدث تغير كبير في الموقف المصري، وأصبح الملك فاروق ورئيس وزرائه النقراشي من المؤيدين لدخول جيش مصر الحرب. حدث هذا التغير كنتيجة لما لمسه النقراشي من رضا الإنجليز وموافقتهم على دخول جيش مصر الحرب. وبالفعل عرض النقراشي المسألة على مجلس النواب في جلسة سرية مساء يوم 12 مايو 1948 أي قبل إعلان انتهاء الانتداب بيومين، ووافق المجلس على دخول الحرب. ولقد كان دخول الجيش المصري إلى فلسطين على ثلاث محاور رئيسية: محور الطريق الساحلي من خان يونس إلى مستعمرة نتسانيم شمال غزة، ومحور العوجة إلى بيت لحم ثم الخليل وتعمل عليه قوات المتطوعين بقيادة أحمد عبد العزيز، ومحور شمال النقب الممتد عرضاً من الخليل إلى الفالوجا وعراق المنشية والمجدل على ساحل البحر المتوسط، ولم تكن هذه المحاول متصلة ببعضها، لذلك كانت الطرق الفاصلة بينها الأكثر خطراً، لأن استيلاء القوات الإسرائيلية على هذه الفواصل يعني فصل محاور الجيش المصري عن بعضه، وتحويل كل محور إلى جيب شبه محاصر، وتوالت أحداث الحرب وما تخللها من وقف للقتال بتدخل من الأمم المتحدة وأخيراً بإنهاء الحرب ووصول الجانبين إلى مفاوضات رودس 1949. وبذلك استطاعت الجهود الصهيونية والإمبريالية أن تتكاتف معاً لإقامة دولة صهيونية في قلب الوطن العربي الإسلامي، ولتكون شوكة في حلق العرب، واعتماد مبادئها على إنكار الحقوق الفلسطينية العربية. وبهذا أصبح اليهود كيان دولي مفروض اغتصبوا من أجله الأرض وحاربوا في سبيله شعباً عريقاً في عقر داره وبدأت أخطارهم تقترب من جميع البلدان العربية المجاورة.
المرحلة الأولى: 15 مايو-11 يونيو 1948

بدأت العمليات في الساعة السادسة من صباح يوم السبت 15 مايو 1948، باجتياز قسمين من القوات المصرية خفيفة الحركة والمشاة والمدفعية الحدود حيث دخل أحد القسمين خان يونس وتخطاها في طريقه إلى غزة فوصلها دون مقاومة من العدو- وفي طريقه هاجم بعض المستوطنات الإسرائيلية بالمدافع والسيارات المصفحة والرشاشات، لكن شدة تحصين هذه المستوطنات أفشل الهجوم المصري فتركتها القوات المصرية لتستمر في تقدمها نحو غزة تاركة بعض القوات لتثبيت هذه المستوطنات- وكذلك فعل القسم الثاني مع المستوطنات التي في طريقه- وبهذا استبان من أول وهلة أن المستوطنات الإسرائيلية التي في طريق القوات المصرية (كالدنجور، وكفر داروم) كانت العائق الأول أمام هذه القوات- صحيح أنها لم تكن عائقاً لها في التقدم، لكن القوات المصرية بتجاوزها وتركها خلفها مع ترك قوات لتثبيتها- كانت قد نفذت ما خططه الإسرائيليون في القتال وما قصدوه من هذه المستوطنات- فقد كانت هذه المستوطنات تقوم بدور للدفاع وكسر حدة الهجوم المصري وكسر أجنابه وخطوط مواصلاته وتوريط القوات المهاجمة في عملية حصار مرهقة ومكلفة.
واستمراراً في عمليات التقدم هاجمات القوات المصرية مستوطنة يد مردخاي أو دير سنيد في الفترة 19-24 مايو 1948 وقد حظيت هذه المستوطنة باهتمام القوات المصرية الشديد حيث كانت المركز الرئيسي لتموين مستوطنات النقب البالغ عددها 27 مستوطنة كما كانت تمثل عائقاً ضد أي تقدم للشمال أو الجنوب على امتداد السهل الساحلي المحاذي للبحر المتوسط فضلاً عن تحكمها في الطريق المار إلى الشرق منها والذي يصل غزة بحيفا.
وقد استغرقت عمليات الهجوم على يد مردخاي الفترة من 19 إلى 24 مايو 1948، وتكلفت أربعة هجمات استخدمت فيها كل أنواع أسلحة الهجوم البري والجوي، حتى سقطت في يد القوات المصرية مع أول ضوء صباح يوم 24 مايو- وبذلك أصبح طريق القوات المصرية إلى المجدل مفتوحاً - وفعلاً استطاعت القوات المصرية أن تحتلها خلال القتال في يد مردخاي دون مقاومة.
وفي ذلك الوقت كانت القيادة الإسرائيلية تحشد قواتها شرق المجدل وعراق سويدان- مما لفت النظر إلى ضرورة تأمين الداخل قبل استمرار الاندفاع على الاتجاه الساحلي- فكان أن هاجمت القوات المصرية في 24 مايو عراق سويدان مسيطرة بذلك على كافة الطرق المؤدية إلى المستوطنات الإسرائيلية في النقب، وقد ساعد على عزلة هذه المستوطنات نجاح القوات الخفيفة - التي كان يقودها البكباشي أحمد عبد العزيز، والتي كانت قد اندفعت على المحور الداخلي فوصلت الخليل يوم 21 مايو ثم بيت لحم في 24 مايو- في قطع مواصلات هذه المستوطنات بالقدس عند بئر سبع والخليل وبيت لحم. وفي 30 مايو كانت القوات المصرية قد احتلت أسدود بعد مقاومة عنيفة من جانب القوات الإسرائيلية- ومع مطلع شهر يونيو كان خطة الجبهة المصرية قد وصل إلى أسدود-المجدل-عراق سويدان، وأصبح المحور الرئيسي لتحرك وإمداد القوات المصرية (أي خط المواصلات) يعتمد على طريق رفح-المجدل واستمرت ف نفس الوقت مستوطنات الدنجور المقابلة لرفح وكفار داروم المقابلة [[دير البلح|لدير البلح]، وبيرون إسحق ونير عام المقابلتين لغزة ونيتسانيم الواقعة بين أسدود والمجدل- تمثل تهديداً لمحور التحرك الرئيسي سالف الذكر (رفح-المجدل).
ويمكن القول أن عمليات القوات المصرية بعد وصولها إلى أسدود وتشكيلها لخط الجبهة المصرية- تركزت في تلاشي خطر المستوطنات اليهودية - ومن هذا المفهوم دارت أغلب المعارك في ذلك الوقت.
فكانت معركة نجبا الأولى في 2 يونيو 1948- راجعة إلى تهديد هذه المستوطنة التي تقع بالقرب من المجدل على جانب الطريق الذي يصلها ببيت جبرين لخطوط مواصلات القوات المصرية الموجودة في المجدل وأسدود- علاوة على تهديدها للتحركات بين المجدل غرباً وبيت جبرين والقدس شرقاً.
ورغم فشل هذا الهجوم لشدة تحصين المستوطنة وغزارة نيران العدو التي كانت تجبر القوات المصرية المهاجمة على الارتداد- فقد كان مطلب القيادة المصرية العامة في القاهرة لقيادة القوات المصرية في فلسطين باحتلال خط المجدل-الفالوجا-بيت جبرين، علاوة على خط أسدود-قسيطنة- يهدف أيضاً إلى عزل مستعمرات النقب وإرغامها على التسليم قبل يوم 3 يونيو- وكان هذا كله يصدر من منطلق الإحساس بخطورة هذه المستوطنات القوية التحصين على القوات المصرية التي توغلت في عمق فلسطين حتى وصلت إلى أسدود. وكان آخر المعارك من هذا النوع وحتى 11 يونيو 1948 هي معركة نيتسانيم - تلك المستوطنة التي تقع على مسافة 3 كم جنوب غربي أسدود، وتسعة كم شمال المجدل- وتبعد عن البحر المتوسط شرقاً بحوال 2 كم - فقد كانت هذه المستوطنات بحكم موقعها أحد القلاع الهامة للقوات الإسرائيلية في الجنوب - كما كانت نقطة ارتكاز جيدة لدفع الإغارات الإسرائيلية ضد القوات المصرية في أسدود إلى جانب تهديد خطوط المواصلات.
وكانت مهاجمة نيتسانيم ضرورة حربية ملحة لتأمين قوات أسدود وتطهير نقاط الارتكاز الإسرائيلية صوبها- وقد تم الاستيلاء عليها في 7 يونيو 1948 - وتم بذلك تأمين منطقة أسدود وخطوط مواصلاتها مع مؤخرة القوات المصرية. وفي 11 يونيو وقبل الهدنة الأولى مباشرة، كان الموقف العام يتلخص في وقوف الجيش العراقي على مسافة 16 كم شرقي تل أبيب - والجيش المصري على مسافة 30 كم جنوبها- وكانت الأولوية الإسرائيلية كارميلي وإسكندروني والنقب وگڤعاتي وعتصيوني والهارئيل ويفتاح قد وصلت إلى درجة خطيرة من الإنهاك وكانت القوات العسكرية الإسرائيلية على شفا الانهيار. ولم ينقذ الجيش الإسرائيلي إلى الهدنة التي فُرضت في الساعة الثامنة صباح 11 يونيو 1948.
الهدنة الأولى
وهكذا انتهت المرحلة الأولى من القتال والتي يمكن تحديد بدئها في 15 مايو 1948 حتى 11 يونيو 1948 - بتغلغل القوات المصرية إلى أسدود واحتلالها مناطق عديدة في الجبهة الجنوبية وانتظامها في القطاعات الآتية:
- قطاع أسدود ونتساريم وبه اللواء الثاني مشاة المكون من الكتائب 4 و5 و6 وقسم من الآلاي 1 و3 مدفعية الميدان.
- قطاع المجدل وبه اللواء الرابع مشاه وسرية من الكتيبة 8 احتياط وأربع سرايا متطوعين سودانيين وسريتان من الجيش السعودي وقسم من الآلاي 1 و3 مدفعية الميدان.
- قطاع عراق سويدان-الفالوجا-عراق المنشية وبه الكتائب 1 و2 و6 و9 مشاة والتاسعة احتياط والثانية مرابط والسرية الخامسة السودانية وقسم من الآلاي 3 مدفعية الميدان.
- قطاع غزة ومنطقة خطوط المواصلات وبه الكتيبة 3 مشاة، والكتيبتين 3 و8 احتياط وثلاث سرايا سعودية وقسم من الآلاي 2 مدفعية الميدان.
ويمكن القول أنه إذا كانت القوات المصرية قد استطاعت أن تصل في زحفها إلى هذا العمق في فلسطين- فإن القوات الإسرائيلية- أو بمعنى أصح شبكة المستوطنات التي كانت في طريق تقدم القوات المصرةي- قد نجحت في تحقيق المستهدف من إنشائها- وذلك بتنفيذ المهام العملياتية للقوات المصرية، واستنزاف ذخائرها التي استهلكت في ضرب التحصينات القوية لهذا المستوطنات، وتوريط هذه القوات في عمليات حصار منهكة ومكلفة- وأخيراً فإن هذه الشبكة من المستوطنات قد نجحت في الصمود وإجبار القوات المصرية على تركها خلفها والزحف إلى الأمام، لتعود هذه المستوطنات في مرحلة لاحقة لتؤدي دوراً هاماً في العمليات التي سيأتي ذكرها لاحقاً.
تميزت فترة الهدنة الأولى من 11 يونيو-8 يوليو 1948 بثلاث سمات بارزة نوجزها في الآتي:
- بالنسبة للقوات المصرية لم يتوفر لها أي احتياطي استراتيجي أو موارد كافية لبناء قوات جديدة أو مخزون فني أو إداري لسد مطالب الاستعواض والإعاشة في الميدان فضلاً عن إنهاك القوات الجوية المصرية نتيجة لتحملها مهام كثيرة وتزايد ضغط العدو عليها جواً لإخراجها من مسرح العمليات واستمرار تدمير المطارات المصرية الأمامية.
- بالنسبة للقوات الإسرائيلية فقد استجاب العالم لندائها وتوالت عليها السفن المحملة بأدوات الحرب وذخائر القتال والقوى البشرية التي تكفي لتسليح وإعادة تنظيم أربعين كتيبة من الخط الأمامي بالإضافة إلى الخط الثاني وحرس المستوطنات- وزادت مهماتها في الكم والنوع وارتفاع مستوى التدريب وشكلت لواءات جديدة- وعززت البحرية الإسرائيلية- واستعاد الجيش الإسرائيلي نشاطه وحيويته وأمكن تشكيله من جديد- وفي إيجاد فقد كان الجيش الإسرائيلي جاهزاً للمرحلة الثانية للقتال وهو أقوى عزيمة.
- أما السمة البارزة الثالثة فكانت استغلال القوات الإسرائيلية لفترة الهدنة لتحسين وتعديل أوضاعها القتالية في الميدان أمام القوات المصرية وذلك عن طريق خرق الهدنة دون اعتداد بالمواثيق الدولية- واحتلال أماكن وثوب وهيئات حاكمة تساعدها في تغيير الأوضاع القتالية مع بداية القتال. فدفعت بقواتها لتحتل العسلوج في النقب والمحاسير شرق الفالوجة، وهاجمت عبيديس وبيت عفة وجوليس وكوكبة وقسطينة وعراق سويدان وتبة الفناطيس - وجهزت خطاً دفاعياً أمام الجبهة المصرية يمتد من المجدل غرباً إلى الخليل شرقاً.
المرحلة الثانية: 8-18 يوليو 1948
وكان الهدف من كل هذه الأعمال أن تجهز القوات المصرية قاعدتين قويتين تستأنف منهما الهجوم مع انتهاء الهدنة المؤقتة. وقبل بداية المرحلة الثانية من القتال التي بدأت مع انتهاء الهدنة يوم 8 يوليو 1948- كان قد تمركز للعمل في الجبهة الجنوبية التي يعمل بها الجيش المصري ثلاثة ألوية إسرائيلية هي لواء گڤعاتي ولواء هارئيل ولواء النقب تحت قيادة إيگال ألون. قد كانت خطط القيادة المصرية بعد انتهاء الهدنة الأولى صباح 8 يوليو 1948 هي تأمين خطوط المواصلات عن طريق تطهير المستوطنات الإسرائيلية الواقعة قرب الطريق الساحلي الممتد من رفح إلى أسدود- ومن جبهة القتال لشرقاً عبر الصوافير الشرقية وجوليس وكوكبة والحليقات والبرير حتى يتوفر للقوات المصرية في الأمام طريقان تبادليان للإمداد والمناورة الطويلة.
ولأجل هذا فقد هاجمت القوات المصرية يوم 8 يوليو 1948 بلدة بيت داراس الواقعة جنوب شرقي أسدود والتي كانت تهدد خطوط المواصلات المصرية- لكن شدة المقاومة الإسرائيلية وغزارة نيرانها حالت بين القوات المصرية واحتلال هذه البلدة- وقد فشل هذا الهجوم- وكانت القوات الإسرائيلية قد احتلت قرية كوكبة أثناء الهدنة- فهاجمتها القوات المصرية يوم 9 يوليو اقتحمتها ونجحت في احتلالها ثم طورت هجومها لاحتلال التباب المشرفة على الحليقات- وقد نجح الهجوم المصري في الاستيلاء على كوكبة والحليقات. وكانت تبة الجيش عند تقاطع الطرق المجاورة لعراق سويدان تسيطر على التحركات بين أسدود والفالوجا- وكذلك بين المجدل والفالوجا- وكان الاستيلاء عليها ضرورياً للاستيلاء بعد ذلك على مستوطنة نجبا التي فشل الهجوم المصري عليها يوم 2 يونيو- وقد نجحت القوات المصرية في احتلال تبة الجيش في 9 يوليو 1948. أما كفار داروم فقد كانت تحت الحصار المصري منذ صباح 16 مايو 1948 في بداية العمليات- ولم تنجح القوات المصرية في احتلالها في المرحلة الأولى من القتال، واكتفت بتضييق الخناق عليها وحصارها. وفي 8 يوليو هاجمت القوات المصرية المستوطنة بعد تمهيد مدفعي مكثف- لكن تبين أن القوات الإسرائيلية كانت قد أخلتها منذ 7 يوليو - لكن احتلال هذه المستوطنة مكن القوات المصرية من تأمين الطريق بين رفح وغزة. وفي 10/11 يوليو كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت بيت عفة التي كانت تمثل شوكة في جنب القوات المصرية المتمركزة في عراق سويدان، كما أن هذه القرية كانت تتحكم في التحركات على طريق المجدل-الفالوجا، وفي الهجوم المصري المعاكس أمكن طرد القوات الإسرائيلية من بيت عفة في 11 يوليو 1948- لكنها فشلت في احتلال قرية عبديس. وقد حاولت القوات المصرية في 11 و12 يوليو الاستيلاء على عبديس لكنها فشلت في المحاولتين.
وكانت القوات المصرية قد فشلت في احتلال نجبا منذ 2 يوليو 1948 - وبعد تقدم القوات المصرية خلال المرحلة الأولى من العمليات - شعرت بأهمية هذه المستوطنة لتأمين طريق المجدل-عراق سويدان، فحاولت يوم 12 يوليو احتلالها إلا أن حقول الألغام حول المستوطنة والنيران الإسرائيلية الكاسحة أجبرتها على الارتداد للمرة الثانية- ولم تنجح القوات المصرية في الاستيلاء على هذه المستوطنة. وفي محاولة لتحسين إجراءات الدفاع عن خط المجدل-الخليل الذي لم يكن حجم القوات المصرية المتيسرة في المنطقة الأمامية من الجبهة يسمح بتخصيص وحدات كافية لتأمينه تأميناً تاماً- قامت القوات المصرية بمهاجمة مستوطنة گلؤون الواقعة شمال غرب بيت جبرين وتتحكم فيما يجاورها من أراضي في جميع الاتجاهات - ذلك يوم 14 يوليو 1948 ولكن حظ هذا الهجوم لم يكن أسعد من حظ الهجوم السابق على نجبا ففشل مع تكبد القوات المصرية خسائر فادحة. أما العمليات المصرية ضد مستوطنة بئيروت إسحق التي تقع جنوب شرق غزة وتسيطر على التحركات المصرية إلى المجدل وتهدد مطار غزة وميناءها - وضد الدنجور المشرفة على منطقة رفح والمسيطرة على الطريق الممتد عبرها- والعسلوج - فلم تكسب القوات من وراءها شيئاً بل تكبدت الكثير من الخسائر في محاولات احتلال هذه المستوطنات أيام 15 و17 و18 يوليو 1948.
والحقيقة أن القوات الإسرائيلية لم تلتزم في العمليات ما بين 8 يوليو 1948 تاريخ استئناف القتال وحتى 18 يوليو- جانب الدفاع فقط - ففي اللحظات التي أحسست فيها هذه القوات بتكرار فشل الهجوم المصري على المواقع الإسرائيلية مثلما حدث أيام بيت داراس وعبديس ونجبا والدنجور وگلؤون وبئيروت إسحق والعسلوج - قامت بهجوم مضاد عام بلوائي گڤعاتي والنقب يوم 14 يوليو في عملية سُميت آن فار (وهي مختصر للجملة الإنگليزية Anti Farouk) مستهدفة هزيمة القوات المصرية أمام لواء گڤعاتي، وفي نفس الوقت يقوم لواء النقب بالإغارة على كفار داروم واحتلالها حيث كانت القوات الإسرائيلية قد أخلتها كما هو معروف ليلة 7 يوليو 1948 - وعندما ينجح لواء النقب في ذلك يستغل نجاحه فيحتل قلعة عراق المنشية، يم يقتحم لواء گڤعاتي بعض القرى العربية المجاورة- مع ضرورة احتلال بيت عفة التي نجح المصريون في الاستيلاء عليها في 11 يوليو 1948. ورغم فشل الهجوم الإسرائيلي يوم 14 يوليو على بيت عفة- فإنه عاود هجومه يوم 17 يوليو عليها مستخدماً - لأول مرة في الحرب - قاذفات اللهب - لكنه رغم هذا فشل في احتلالها وأحبط هجومه عليها يوم 18 يوليو 1948.
وقد كررت القوات الإسرائلية بالعملية "ماڤيت لابوليش (أي الموت للغازي) - محاولتها لتنفيذ عملية هجومية حاسمة ضد القوات المصرية بهدف هزيمتها واستعادة كافة المواقع التي استولت عليها شمال طريق المجدل-بيت جبرين، ودق اسفين عميق في الجبهة المصرية عند كراتيا - لفتح الطريق إلى مستعمرات النقب السبعة والعشرين التي كانت تحت الحصار المصري منذ 3 يونيو عندما وصلت القوات المصرية إلى خط المجدل-عراق سويدان-الفالوجا-بيت جبرين. بدأت هذه العملية ليلة 17/18 يوليو 1948 بقوة تتألف من لواء گڤعاتي وهارئيل والنقب لدق اسفين في الجبهة المصرية بتوجه رأسه إلى طراتيا ويحتل ضلعه الشرقي قرية حتا والغربي بيت عفة - وفي سبيل تغطية أغراض الهجوم - كان على القوات الإسرائيلية أن تقوم بمظاهر خداعية على محور عرطوف-عراق المنشية-بير أبو جابر في يمين الوسط، ومظاهرة خداعية أخرى على محور المجدل-أسدد على أقصى الجناح الغربي للجبهة.
وقد نجحت القوات الإسرائيلية يومي 17 و18 يوليو 1948 في احتلال كراتيا الواقعة على تل يشرف على الطريق الرئيسي المار بين المجدل والخليل بالقرب من الفالوجا - كما نجحت في صد جميع الجهمات المصرية المضادة لاستردادها حتى تفتح الطريق بين المجدل والفالوجا. وباحتلال كراتيا استطاعت إسرائيل فتح ممر في الجبهة المصرية لتموين المستعمرات السبعة والعشرين المحاصرة في النقب نتيجة لاحتلال القوات المصرية خط المجدل-عراق سويدان-الفالوجا-بيت جبرين - إلا أن القوات المصرية أعادت احتلال سلسلة التباب جنوب كراتيا والتي تمتد من جنوب عراق سويدان حتى مسافة كيلومتر واحد غرب الفالوجا واستطاعت بذلك غلق الممر في وجه القوافل الإسرائيلية إلى مستوطنات النقب مرة أخرى. وكان هذا العمل هو آخر عمل في المرحلة الثانية من القتال في الفترة 8-18 يوليو 1948 حيث بدأت الهدنة الثانية.
الهدنة الثانية: 18 يوليو–15 أكتوبر 1948

عند الساعة 19:00 يوم 18 يوليو، دخلت الهدنة الثانية حيز التنفيذ بعد جهود دبلوماسية من قبل الأمم المتحدة.
في 16 سبتمبر، اقترح الكونت فولك برنادوت تقسيماً جديداً لفلسطين تُقسم فيه النقب بين الأردن ومصر، وتضم الأردن بموجبه اللد والرملة. وستقام دولة يهودية على كامل أراضي الجليل، بخدود تمتد من شمال شرق الفلوجة حتى الرملة واللد. ستكون القدس تحت ادارة دولية، ويتمتع سكان المدينة من اليهود والعرب بحكم ذاتي، سيصبح ميناء حيفا ميناءاً حراً، ويصبح مطار اللد مطاراً حراً. يُمنح جميع اللاجئين الفسلطينيين حق العودة، وسيتم منح من ليس لديهم الرغبة في العودة تعويضات عن الأراضي المفقودة. ستتولى الأمم المتحدة ادارة وتنظيم الهجرة اليهودية.[1]
رُفضت الخطة مرة أرخرى من كلا الجانبين. في اليوم التالي، 17 سبتمبر، أُغتيل برنادوت في القدس على يد الجماعة الصهيونية المسلحة تشيرن. هاجم أربع رجال موكب برنادوت في القدس، مما تسبب في مقتله ومقتل المشرف الأممي الفرنسي الجالس بجانبه. رأت شتيرن برنادوت كدمية بريطانية وعربية، ومن ثم فهو يشكل تهديداً حقيقياً على نشأة دولة إسرائيل، وخوفاً من قبول الحكومة الإسرائيلية الانتقالية بالخطة، والتي كان تعتبرها تشيرن كارثية. دون معرفة تشيرن، كانت الحكومة قد قررت رفض الخطة واشتئناف القتال في الشهر التالي. نائب برنادوت، الأمريكي رالف بونتش، خلفه في المنصب.[2][3][4][5]
في 22 سبتمبر 1948، مرر مجلس الدولة الانتقالي الإسرائيلي قانون نطاق الولاية القضائية والقوى العاملة، 5708-1948. أضاف القانون رسمياً إلى حجم إسرائيل بضم جميع الأراضي التي استولت عليها منذ بدء الحرب. كما أعلن القانون أنه من الآن فصاعداً، أي جزء يستولي عليه الجيش الإسرائيلي في فلسطين سيصبح تلقائياً جزءاً من إسرائيل.[6]
المرحلة الثالثة: 15 أكتوبر 1948 – 10 مارس 1949
شنت إسرائيل سلسلة من العمليات العسكرية لطرد الجيوش العربية وتأمين الحدود الشمالية والجنوبية لإسرائيل.
الجبهة الشمالية - الجليل===

.
في 22 أكتوبر، دخلت الهدنة الثالثة حيز التنفيذ.[7] رفضت القوات العربية النظامية الاعتراف بالهدنة، واستمرت في الاحتكاك بالقوات والمستوطنات الإسرائيلية في الشمال. في نفس اليوم الذي دخلت فيه الهدنة حيز التنفيذ، انتهك جيش الإنقاذ العربي الهدنة بالهجوم على منارا، وقاموا بالاستيلاء على معقل الشيخ عابد، وصدوا هجوماً مضاداً شنته الوحدات الإسرائيلية المحلية، وأوقعوا كميناً بالقوات الإسرائيلية التي كانت تحاول استعادة المنارا. خسر لواء الكارملي الإسرائيلي 33 قتيل و40 مصاب.[8] تم عزل المنارة وميسگاڤ بالكامل، وفشلت احتجاجات إسرائيل لدى الأمم المتحدة لتغيير الوضع.
في 24 أكتوبر، شن الجيش الإسرائيلي العملية حيرام واستولوا على منطقة الجليل الأعلى، مجبرين جيش الإنقاذ العربي والجيش اللبناني على التراجع إلى لبنان، ونصبوا كميناً لفصيل سوري ودمروه بالكامل.[9] كانت القوة الإسرائيلية تتألف من أربع ألوية مشاة تحت قيادة موشيه كارمل.[9] لم تستغرق العملية سوى 60 ساعة، تم أثنائها الاستيلاء على عدد من القرى، التي كان سكانها قد أبدوا مقاومة.[9] قُدرت الخسائر العربية بـ400 قتيل و550 أسير، وكانت الخسائر منخفضة على الجانب الإسرائيلي.[9]
قامت القوات الإسرائيلية بإعدام بعد الأسرى. ويقدر أن 50.000 لاجئ فلسطيني قد فروا إلى لبنان، فر بعضهم على مقدمة القوات الداعمة، وطُرد آخرين من القرى التي قاومت، بينما سُمح للسكان العرب في القرى المسالمة بالبقاء وأصبحوا مواطنين إسرائيليين. أقنعت السلطات الإسرائيلية سكان قريتي إقرت وبيريم بترك بيوتهم، ووعدتهم بالسماح لهم بالعودة. وفي النهاية قررت إسرائيل عدم السماح بعودتهم، وعرضت عليهم تعويضاً مالياً، لكنهم رفضوا قبوله.[10]
عند نهاية الشهر، كان الجيش الإسرائيلي قد استولى على كامل أراضي الجليل، طارداً جميع القوات اللبنانية خارج إسرائيل، وتقدم الجيش الإسرائيلي 8 كم داخل العمق اللبناني حتى نهر الليطاني،[11] ليتحل ثلاثة عشر قرية لبنانية. في قرية الحولة، قتل ضابطان إسرائيليان بين 35 و58 أسير ثأراً لمذبحة مصفاة الحولة النفطية. لاحقاً تم محاكمة الضابطين على فعلتهما.
النقب


شنت إسرائيل سلسلة من العمليات العسكرية لطرد الجيوش العربية وتأمين حدود إسرائيل. إلا أن اجتياح الضفة الغربية ربما قد جلب إلى حدود دولة إسرائيل المتوسعة عددًا هائلاً من السكان العرب الذين لم تستطع استيعابهم. كانت صحراء النقب منطقة خالية يمكن التوسع فيها، لذلك فقد تحول المجهود الحربي الرئيسي إلى النقب منذ أوائل أكتوبر.[12] قررت إسرائيل تدمير أو على الأقل دحر القوات المصرية لأن خطوط الجبهة المصرية كانت ضعيفة للغاية لكونها حدود دائمة.[13]
في 15 أكتوبر، شن الجيش الإسرائيلي العملية يوآڤ في شمال النقب.[14] كان الهدف منها عمل إسفين بين القوات المصرية الموجودة على امتداد الساحل وطريق بئر سبع-الخليل-القدس وفي النهاية اجتياح النقب بالكامل.[14] كان هذا مصدر قلق خاص على الجانب الإسرائيلي بسبب الحملة الدبلوماسية البريطانية لتسليم النقب بأكمله إلى مصر والأردن، مما جعل بن گوريون حريصًا على أن تسيطر القوات الإسرائيلية على النقب في أقرب وقت ممكن.[14]
كانت العملية يوآڤ تحت قيادة قائد الجبهة الجنوبية يگال عالون. كُلفت للعملية ثلاث ألوية مشاة ولواء مدرع، وكانت مهمتهم اقتحام الخطوط المصرية.[9] كانت المواقع المصرية شديدة الضعف بسبب افتقاد دفاعات العمق، مما يعني أنه بمجرد اخترق الجيش الإسرائيلي للخطوط المصرية، لم يكن هناك الكثير ليوقفها.[9] كانت العملية بمثابة نجاحاً كبيراً، حيث حطمت الرتب المصرية وأجبرت الجيش المصري على الرحيل من شمال النقب، بئر سبع وإسدود.[9]
"حصار الفلوجة" الشهير، حيث تمكنت قوة مصرية من الصمود لأكثر من أربعة أشهر حتى انعقاد هدنة 1949، عندما تم نقل القرية بسلام إلى إسرائيل وغادرتها القوات المصرية.[9] قدمت أربع سفن حربية تابعة للبحرية الإسرائيلية الدعم عن طريق قصف المنشآت الساحلية المصرية في منطقة عسقلان، ومنعت البحرية المصرية من إجلاء القوات المصرية المنسحبة بحراً.[15]
في 19 أكتوبر، تم تنفيذ عملية الجبل في رواق القدس، بينما كانت معركة بحرية بالقرب من المجدل (عسقلان حالياً)، حيث واجهت ثلاث حراقات إسرائيلية حراقة مصرية بدعم جوي. قُتل البحارة الإسرائيليون وأصيب أربعة آخرين، وتدمرت سفينتين. أُسقطت طائرة مصرية، لكن الحراقة فرت. كما قصفت سفن بحرية إسرائيلية المجدل في 17 أكتوبر، وغزة في 21 أكتوبر، بدعم جوي من سلاح الجو الإسرائيلي. في اليوم نفسه الجيش الإسرائيلي على بئر سبع، وأسر 120 جندي مصري. في 22 أكتوبر، قام الكومنادوز البحري الإسرائيلي باستخدام متفجرات زوارق بإغراق السفينة القيادة المصرية الأمير فاروق، وألحقت أضراراً بكاسحة ألغام مصرية.[9]
في 9 نوفمبر 1948، شن الجيش الإسرائيلي العملية شمون للاستيلاء على حصن تقرت في قرية عراق سويدان. صد المدافعون المصريون عن الحصن ثمان محاولات للاستيلاء عليه، من بينهما محاولتين أثناء العملية يوآڤ. قصفت القوات الإسرائيلية الحصن قبل هجوم المدفعية والغارات الجوية التي نفذتها قاذفات بي-17. بعد اقتحام الأسوار النائية دون مقاومة، قام الإسرائيليون بتفجير ثقب في الجدار الخارجي للحصن، مما دفع 180 جنديًا مصريًا يحرسون للاستسلام دون قتال. دفعت الهزيمة المصريين إلى إجلاء العديد من المواقع القريبة، من بينهما التلال التي فشل الجيش الإسرائيلي في الاستيلاء عليها بالقوة. في الوقت نفسه، استولت قوات الجيش الإسرائيلي على السويدان نفسها بعد معركة شرسة، خسروا فيها 6 قتلى و14 مصاب.
من 5 إلى ديسمبر، شن الجيش الإسرائيلي العملية عساف للاستيلاء على غرب النقب. نفذت الهجمات الرئيسية بواسطة القوات الميكانيكية، بينما كان مشاة لواء گولاني يقومون بالتغطية من الخلف. تم صد الهجوم المصري المضاد. خطط المصريون لهجوم مضاد آخر، لكنه فشل بعد كشف الاستطلاع الجوي الإسرائيلي التحضيرات المصرية، وشن الإسرائيليون غارة استباقية. قُتل ما يقارب 100 مصري، ودُمرت 5 دبابات، وخسر الجانب الإسرائيلي 5 قتلى و30 مصاب.[بحاجة لمصدر]
في 22 ديسمبر، شن الجيش الإسرائيلي العملية حورڤ (الشهيرة بالعملية عين).[9] كان الهدف من العملية دحر القوات المصرية المتبقية من النقب، والتخلص من التهديد المصري على التجمعات الجنوبية في إسرائيل وإجبار المصريون على وقف إطلاق النار. خلال أيام القتال الخمسة، أمن الإسرائيليون غرب النجف، وطردوا القوات المصرية من المنطقة.[9]
بعد ذلك شنت القوات الإسرائيلية غارات على منطقة نتسانا، ودخلوا شبه جزيرة سيناء في 28 ديسمبر. استولى الجيش الإسرائيلي على أو قاطف وأبو عجيلة، وتقدموا شمالاً نحو العريش، بهدف تطويق القوة الاستطلاعية المصرية بأكملها. خرجت القوات الإسرائيلية من سيناء في 2 يناير 1949 في أعقاب الضغط البريطاني-الأمريكي المشترك وتهديد بريطانيا بالتحرك العسكري. احشتدت قوات الجيش الإسرائيلي عند الحدود مع قطاع غزة. في اليوم التالي هاجمت القوات الإسرائيلية رفح، وبعد عدة أيام من القتال، حوصرت القوات المصرية في قطاع غزة. وافق المصريون على التفاوض على وقف إطلاق النار في 7 يناير، وخرج الجيش الإسرائيلي من غزة.[9] حسب موريس، "قواعد الاشتباك الغير متكافئة والغير عادلة: يمكن للعرب شن هجمات دون إفلات من العقاب، لكن التدخلات الدولية تعوق دائماً وتقلص الهجمات الإسرائيلية المضادة."[16]
في 28 ديسمبر، فشل لواء إسكندروني في الاستيلاء على جيب الفلوجة، لكنه نجح في الاستؤلاء على منشية العراق واحتفظ بها لفترة وجيزة.[17] قام المصريونب بهجوم مضاد، لكن اعتقد الإسرائيليون أنهم قوة صديقة وسمحوا لهم بالتقدم، وحاصروا عدد كبيراً من الرجال. فقد الإسرائيليون 87 جندي.[بحاجة لمصدر]
في 5 مارس، شُنت العملية عوڤدا بعد شهر من الاستطلاع، بهدف تأمين جنوب النقب من القوات الأردنية. دخل الجيش الإسرائيلي المنطقة وأمنها، لكنه لم يقابل مقاومة تذكر على طول الطريق، حيث كانت المنطقة مخصصة بالفعل كجزء من الدولة اليهودية ضمن خطة تقسيم الأمم المتحدة، وكانت العملية تهدف إلى إقامة سيادة إسرائيلية على المنطقة بدلاً من احتلالها فعليًا. شارك في العملية لواء گولاني، النقب وإسكندروني، مع بعض الوحدات الصغيرة والدعم البحري.[18]
في 10 مارس، أمنت القوات الإسرائيلية جنوب النقب، ووصلت إلى الحافة الجنوبية من فلسطين: أم الرشراش على البحر الأحمر (حيث بُنيت إيلات لاحقاً) واستولت عليها بدون قتال. رفع الجنود الإسرائيليون علماُ إسرائيلياً يدومياً ("علم حبر"العلم الحبر") عند الساعة 16:00 يوم 10 مارس، زاعمين بأن أم الرشراش أصبحت تابعة لإسرائيل. كان رفع العلم الحبر بمثابة نهاية للحرب.[19]
الاشتباكات الجوية الأنگلو-إسرائيلية
مع تقدم القتال وتوغل إسرائيل في سيناء، بدأ سلاح الجو الملكي القيام بمهمات استطلاع يومية على إسرائيل وسيناء. كانت طائرات استطلاع سلاح الجوي الملكي تقلع من قواعد جوية مصرية وتحلق أحياناً بجانب طائرات القوات الجوية الملكية المصرية. ومن وقت لآخر كانت الطائرات البريطانية تحلق على ارتفاع عالي فوق حيفا وقاعدة رمات ديڤيد، وأصبحت تُعرف لدى الإسرائيليين باسم "شوفتيكايت" shuftykeit.[20]
في 20 سبتمبر 1948، تم إسقاط طائرة الاستطلاع البريطانية طراز دى هاڤيلاند موسكيتو من السرب رقم 13 بواسطة طائرة پ-51 موستانگ تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي كان يقودها المتطوع الأمريكي واين پيك أثناء تحليقها فوق الجليل متجهة إلى قاعدة هتسور الجوية. فتح پيك نيران مدافعه، مما أدى لاحتراق محرك الطائرة. اتجهت الطائرة نحو البحر وخفضت ارتفاعها، ثم انفجرت وتحطمت قبالة سواحل إسندود. ولقى الطيار والملاح مصرعهما.[20][21]
قبل ساعات قليلة من مساء 7 يناير 1049، خرجت أربع طائرات طراز سپيتفاير من السرب رقم 208 التابع لسلاح الجو الملكي البريطاني في مهمة استطلاعية بمنطقة دير البلح وحلقت فوق قافلة إسرائيلية تم مهاجمتها بواسطة خمس طائرات مصرية طراز سپيتفاير قبل خمسة عشر دقيقة. شاهد الطيارون اندلاع أعمدة الدخان من المركبات وذهبوا إلى المكان بدافع الفضول. انحفضت طائرتان إلى ارتفاع أقل من 500 قدم والتقطت صور للقافلة، بينما ظلت الطائرتان الأخرتان تغطيهما من على ارتفاع 1.500 قدم.[20][22]
بعد سماع صوتهما تنبه الجنود الإسرائيليون على الأرض إلى قدوم الطائرات وخشيا من هجوم جوي مصري آخر، ففتحوا نيران المدافع الآلية. أُسقطت إدى الطائرات بطلقة من مدفع آلي على دبابة، بينما أصيبت الأخرى بأضرار طفيفة وسرعان ما ارتفعت في السماء. تم مهاجمة الطائرات الثلاث الباقية بطائرات دورية إسرائيلية طراز سپيتفاير يقودها سيلك گودلين وجون مكلوري، متطوعان من الولايات المتحدة وكندا على التوالي. تم إسقاط الطائرات البريطانية الثلاثة ولقى أحد الطيارين مصرعه.[20][22]
تم أسر الطيارين الآخرين بواسطة الجنود الإسرائيليين وأقتيدا إلى تل أبيب لاستجوابهما، وتم إطلاق سراحهما لاحقاً. وتم إنقاذ طيار آخر بواسطة البدو وجرى تسليمه إلى الجيش المصري، الذي سلمه بدوره إلى سلاح الجو الملكي البريطاني. لاحقاً في اليوم نفسه، خرجت أربع طائرات بريطانية طراز سپيتفاير من نفس السرب برفقة سبع طائرات طراز هوكر تمپست من السرب رقم 213 وثمانية طائرات من السرب رقم 6 بحثاً عن الطائرات المفقودة، وتم مهاجمتهما من قبل أربع طائرات إسرائيلية طراز سپيتفاير تحت قيادة عزرا وايزمان. كانت الطائرات الثلاثة الباقية بقيادة ألكس جاكوبس والطياران الأمريكيان المتطوعات بيل شرودر وسيزار دانگوت.[20][22] وجدت الطائرت التمپست نفسها غير قادرة على التخلص من خزانات الوقود الخارجية، وكان بعضها يحمل مدافع متعطلة. أطلق شرودر النار على إحدى الطائرات التمپست البريطانية، مما تسبب في مقتل الطيار ديڤد تاترزفيلد، وأصاب وايزمان طائرة بريطانية أخرى بأضرار بالغة والذي عانى بدوره من إصابات محدودة في طائرته. انتهت المعركة بعد the British wiggled their wings ليكونوا أكثر وضوحاً، وأدرك الإسرائيليون في النهاية خطر وضعهم وفك الاشتباك، وعادوا إلى قاعدة هاتسور الجوية.[20][22]
أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي ديڤيد بن گوريون شخصياً أوامره بجلب حطام الطائرات البريطانية التي تم إسقاطها إلى الأراضي الإسرائيلية. قامت القوات الإسرائيلية بزيارةا لموقع لاحقاً، وأزالت عدة أجزاء من الطائرات، وتم دفن الطائرة الأخرى. ومع ذلك، لم ينجح الإسرائيليون في إخفاء الحطام في الوقت المناسب لمنع طائرات الاستطلاع البريطانية من تصويرهم. تم نشر فريق الإنقاذ لاستعادة حطام السفن، الذي دخل الأراضي الإسرائيلية أثناء بحثه. تم اكتشاف حطام طائرتين داخل مصر، بينما عُثر على حطام الطائرة تمپست التي كان يقودها تاترزفيلد شمال نيريم، على بعد أربع أميال داخل الحدود الإسرائيلية. في مقابلات مع السكان العرب المحليين أكدوا أن الإسرائيلين قاموا بزيارة موقع الحادث لإزالة ودفن الحطام. في البداية دُفن تاترزفيلد بالقرب من موقع الحطام، لكن نُقل جثمانه لاحقاً ودُفن في مقبرة الحرب البريطانية في الرملة.[20][23]
رداً على ذلك، أعد سلاح الجو الملكي البريطاني جميع الطائرات من طراز تمپست وسپتفاير لمهاجمة أي طائرة إسرائيلية يواجهوها وبقصف مهابط الطائرات التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. وضعت القوات البريطانية في الشرق الأوسط في حالة تأهب وأُلغيت جميع الإجازات، ونُصح المواطنين البريطانيين بمغادرة إسرائيل. كما وضعت البحرية الملكية في حالة تأهب. قاعدة هاتسور، كان هناك إجماع عام بين الطيارين، ومعظمهم قد سافروا مع أو إلى جانب سلاح الجو الملكي البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، وهو أن سلاح الجو الملكي لن يسمح بخسارة خمس طائرات وطياريها دون انتقام، وربما يهاجم القاعدة عند فجر اليوم المقبل. في هذا المساء، استعداداً لهجوم بريطاني محتمل، قرر بعض الطيارين عدم إظهار أي مقاومة وترك القاعدة، بينما أعد آخرون طائراتهم السپيتفاير وكانوا في قمرة القيادة عند الفجر، استعداداً لصد الغارات الانتقامية. ومع ذلك، وبالرغم من ضغط الأسراب التي فقدت طياريها في الحادث، رفض القادة البريطانية السماع بأي هجمات انتقامية.[20][24]
في اليوم التالي للحادث، أصدر الطيارون البريطانيون توجيهاً لإخطار أي طائرة إسرائيلية تتسلل إلى المجال الجوي المصري أو الأردني على أنها معادية لإطلاق النار عليهم، ولكن تم إصدار الأوامر لهم بتجنب النشاط قرب الحدود الإسرائيلية. لاحقاً في يناير 1949، نجح البريطانيون في منع إيصال كحول الطيران وغيره من أنواع الوقود الأساسية إلى إسرائيل رداً على الحادث. تقدم مكتب الخارجية البريطانية إلى الحكومة الإسرائيلية بطلب تعويضات عن طائراته وطياريه الذي فقدهم في الحادث.[20][25]
قرار الأمم المتحدة رقم 194
في ديسمبر 1948، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194. يدعو القرار إلى تأسيس لجنة التسوية التابعة للأمم المتحدة للمساعدة على التوصل إلى السلام بين إسرائيل والدول العربية. ومع ذلك، فإن الكثير من مواد القرار لم يتم الالتزام بها، حيث اعترضت عليها إسرائيل، ورفضتها جميع الدول العربية، وبددتها الحرب مع استمرار نزاع 1948.
القيادة المصرية
- وزير الحربية: حيدر باشا الحيمي
- رئيس الأركان: سعد الدين صبور
- اللواء أحمد علي المواوي: قائد القوات المصرية في سيناء
ردود الفعل
الأمم المتحدة
كانت الولايات المتحدة هي التي بادرت بطرح القضية الفلسطينية على مجلس الأمن على اعتبار أن تدخل الجيوش العربية يعد عملاً عدوانياً، وشاركتها بريطانيا تلبية لنداءات اليهود المحاصرين في القدس، أما إسرائيل فليست مسئولة عن الحرب في نظر الولايات المتحدة، وقد طرحت الولايات المتحدة الموضوع بناء على المادة 29 التي تشير إلى أن على المجلس أن يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلام أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان. وكانت الجمعية العامة قد أصدرت في 21 مايو 1948 القرار رقم 86 الذي ينص على تعيين وسيط للأمم المتحدة لفلسطين هو الكونت فولك "برنادوت" ورالف بانش نائباً له. وكان مركز رئاسة الوسيط الدولي في جزيرة رودس. وتضمنت الفقرة الثانية من هذا القرار تعليمات إلى أن يقدم تقارير شهرية أو في فترات أقرب إذا قدر ذلك إلى مجلس الأمن والسكرتير العام لعرضها على أعضاء الأمم المتحدة. وبعد أن اتضح للولايات المتحدة وبريطانيا أن سير المعارك في فلسطين في صالح العرب، دفعتا مجلس الأمن إلى الاجتماع لبحث الموقف في فلسطين، وأصدر قراره بإيقاف جميع الأعمال الحربية في فلسطين لمدة أربعة أسابيع. وبوصول وسيط الأمم المتحدة برنادوت إلى القاهرة في 28 مايو من عام 1948 سعى جاهداً إلى تنفيذ وقف إطلاق النار لمدة أسابيع ابتداء من 15 يونيو، ودخل الوسيط في محادثات تهديدية مع ممثلي الطرفين في القاهرة وتل أبيب حول مستقبل فلسطين بصفة عامة. وفي القاهرة ألفت اللجنة السياسية للجامعة العربية لجنة فرعية من وزراء مصر، والأردن، ولبنان والأمين العام لجامعة الدول العربية، عهدت إليها مباشرة المفاوضات.
وفي تل أبيب أجرى الوسيط الدولي برنادوت محادثات مع وزير خارجية حكومة إسرائيل المؤقتة، ومن خلال هذه المحادثات تطرق الطرفان خلال المحادثات إلى نظرة اليهود وأهدافهم بالنسبة لتقسيم فلسطين والهجرة اليهودية لها، وبالنسبة للقدس، ولكن كانت هذه المحادثات سابقة لأوانها ولكن الهدف منها التوصل إلى وقف إطلاق النار، انتقل بعدها إلى المحادثات في المسائل الأساسية، ولم يكن الطرفان على استعداد أبداً للمصالحة بأي شكل كان. وكان من رأي الوسيط الدولي برنادوت أنه لا يمكن الجزم بأن أحد الطرفين لن يستأنف القتال بحال من الأحوال ويرى يقينا بأن ساعة التسوية حانت، وحيث أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت قرارات جازمة ذات صفة سياسية فإن الأمل يحدوه أن يعلن الطرفان موافقتهما على أي تسوية معقولة تنال موافقة الأمم المتحدة، وذلك بسبب القرار الذي أصدره مجلس الأمن بوقف كل عمل عسكري، وأنه ليس ضرورياً لتسوية سلمية في الوقت الراهن، وأن أي قرار تصدره الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية المطلوبة يجب أن يلزم الطرفين أدبياً، وأن الدول العربية حتى وإن حرصت أثناء المناقشة والتصويت على إعلان معارضتهما لمثل هذا القرار فمن واجبها العمل لصالح فلسطين، أما اليهود وهو المدينون بالكثير إلى التدخل الدولي ويريدون الانضمام إلى الأمم المتحدة فلن يكونوا أقل إلتزاماً من الوجهة الأدبية بقرار أغلبية الجمعية، على أن الدعوة إلى الهدنة وهي بمثابة إستراحة مقاتل لكل من الطرفين وجاءت في صالح إسرائيل التي قامت بجمع الذخائر وإعادة ترتيب صفوفها إستعداداً لاستئناف القتال واحتلال الأراضي الفلسطينية بأكملها وطرد أصحابها الأصليين وهم الفلسطينيون، وعلى العكس لم تفعل الدول العربية بأي شيء في شأن ترتيب صفوفها الداخلية وإمداد الجيوش بالذخائر، بل عمت المشادات والصراعات الداخلية مما كان له أثره في عدم وجود رأي واحد لدى الدول العربية في صد ومواجهة هذا الهجوم على الأراضي العربية.
رد مصر والدول العربية على اقتراح مجلس الأمن بقبول الهدنة الأولى في أول يونيو 1948:
"اجتمع رؤساء وزراء حكومات الدول العربية ومن بينهم مصر وتناقشوا طويلاً حول موضوع قبول الهدنة، وكان عبد الله ملك الأردن أكثر المتحمسين لقبولها لأنه كان قد حصل تقريباً على القسم الذي يريد ضمه إلى مملكته، ويبدو أن النقراشي أراد قبول الهدنة الأولى لأنه لم يكن منذ البداية مقتنعاً بالحرب. ودافع النقراشي عن موقفه بأن ليس من مصلحة مصر وهي تقف مع الإنجليز وجهاً لوجه أن تزج جيشها في قتال، وأنه إذا كان لابد من العمل لنصرة فلسطين، فليكن ذلك عن طريق المال والأسلحة والمتطوعين."
وبعد المباحثات مع حكومات الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية أعلن وزير الخارجية المصري أحمد محمد خشبة موقف الدول العربية بالنسبة لوقف القتال في فلسطين لمدة أربعة أسابيع، كما يلي:
"أعلن حكومات الدول العربية في ردها على الدعوة الأولى الموجهة إليها من مجلس الأمن في الأمم المتحدة لنفس الغرض في 22 مايو، أن أحب شيء للدول العربية هو عودة السلام إلى ربوع فلسطين، وأن ترى اليوم الذي يعيش فيه أهالي فلسطين عرب ويهود جنباً إلى جنب في وئام وتفاهم تام، ,أوضحت الدول العربية أسبابها في رفض قبول هذه الدعوة ولفتت الأنظار إلى الضمانات التي من غيرها لن يكون هناك وقف للقتال الدائر على الأراضي الفلسطينية إلا بمثابة استراحة مؤقتة كتهدئة للاضطرابات والإرهاب الذي سيأتي بعدها.
إن الحكومات العربية تريد حلاً سلمياً للقضية الفلسطينية وأنها على يقين أن وسيط الأمم المتحدة برنادوت وأعضاء لجنته لا يستطيع أن يأتي بحل يحفظ لفلسطين وحدتها السياسية، ولا تراعي فيه إرادة غالبية أهالي فلسطين وأنه لن يكون هناك حظ في النجاح. إن وقف القتال ليس له غرض سوى فتح منافذ فلسطين على مصراعيها لتتلقى سيلاً من المهاجرين اليهود الذين هم في سن حمل السلاح قادمين من أوروبا وأمريكا، ومعظمهم قد تدرب على أعمال القتال والانضمام إلى القوات الإسرائيلي. تريد الحكومات العربية أن تكون هنالك هيئة موفورة الضمانات تتولى الإشراف على تنفيذ أحكام وقرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف القتال وشروطه بكل دقة وعناية. إن الدول العربية لا تجد ما يطمئنها من احترام الطرف الآخر شروط وقف القتال، ولكن بوصفها أعضاء في منظمة إقليمية مسئولة عن حفظ الأمن في ساحتها، فإنها ستتعاون مع الوسيط الدولي برنادوت وأعضاء لجنته تعاوناً صادقاً. توافق الدول العربية الحريصة على السلم والاستقرار في ربوع أنحاء فلسطين والوصول إلى الحل العادل للقضية وتلبية دعوة مجلس الأمن وقف القتال لمدة أربعة أسابيع ابتداء من الوقت الذي تقرر فيه ذلك".
شروط وقف القتال
أرسل وسيط الأمم المتحدة برنادوت شروط وقف القتال بين الطرفين حتى يتمكن من تنفيذ الهدنة جاء فيها:
- التعهد بعدم إرسال محاربين ومواد حربية إلى فلسطين.
- تطبيق مادة العقوبات العسكرية والاقتصادية على كل من يخالف الأمر.
- عدم استيراد أي نوع من الأسلحة من قبل المتحاربين.
- عدم استغلال الهدنة لتقوية النواحي العسكرية في أي معسكر من المعسكرين المتحاربين سواء كان في البر أو البحر أو الجو.
وفي حال قبول هذا القار فإن تاريخ وساعة بدء الهدنة بعد تحديدها سيبلغان إليكم في الرسالة التي وجهها الوسيط الدولي يوم 9 يونيو متضمنة التأييد النهائي حتى يذاع الأمر من جانب أصحاب الشأن في نفس الوقت.
وقد حرص الوسيط الدولي على أن يوضح لكل من الطرفين أنه شديد الغربة في تنفيذ الهدنة وسريان الرقابة اللازمة على صورة تكفل عدم استفادة أي طرف من الأطراف بميزة عسكرية أثناء فترة الهدنة نتيجة لسريانها، وشرح الوسيط الدولي فيما اتخذ بعض القرارات فيما يتعلق بتنفيذها وقام بشرحها بالتفصيل لممثلي الطرفين وتتلخص فيما يلي:
أولاً: إنه لن يسمح لأي شخص من الأشخاص المحاربين المنتمين لوحدات عسكرية أو شخص يحمل السلاح بالدخول إلى دولة عربية أو إلى أي جزء من أجزاء فلسطين.
ثانياً: لا يسمح الوسيط الدولي بدخول رجال في سن الخدمة العسكرية، وفي حال دخول عدد منهم، يكون محدداً ويدخلون في معسكرات أثناء الهدنة تحت إشراف مراقبين من قبل الوسيط الدولي ولن يسمح لهم بالإنضمام إلى صفوف القوات المسلحة لأي من الطرفين.
ثالثا: يقوم الوسيط في أقصى الحدود الممكنة بتعيين مراقبين من الأمم المتحدة على الموانئ لمراقبتها لمنع السفن القلة لمهاجرين حتى لا يتم تهريبهم إلى الأراضي الفلسطينية.
رابعاً: يقرر الوسيط الدولي بمحض إرادته وسلطته أثناء الأسبوع الأول من بدأ الهدنة دخول أي مهاجر إلى فلسطين بصرف النظر عن سنه وجنسيته.
خامساً: ممنوع نقل أي قوات أو عتاد حربية أثناء فترة الهدنة بين دولة من الدول ذات الشأن وأخرى منها أو أي مكان قريب من حدود فلسطين أو جبهات القتال.
سادساً: لا يستورد أي عتاد حربي إلى أي دولة من الدول ذات الشأن أو أراضيها.
سابعاً: يتولى الصليب الأحمر الدولي إغاثة أهالي المدن من الطرفين في المناطق التي أصيبت بأضرار فادحة من جراء النزاع الناشب مدنية القدس ويافا بحيث يضمن لها توفير كميات من مواد الطعام الضرورية.
الهدنة الأولى 11 يونيو-9 يوليو
كان واضحاً منذ البداية أن مراقبة الهدنة عملية صعبة جداً، لا تصل إلى درجة الكمال، ذلك أن مراقبة الهدنة تتطلب توفير عدد كبير جداً من المراقبين وكميات وفيرة من الأجهزة والأدوات ونظراً لضيق الوقت الذي حدده مجلس الأمن بالاشتراك مع الوسيط الدولي برنادوت فقد كانت هناك صعوبات في الحصول على ما يلزم من موظفين وأجهزة لازمة لمراقبة سير تنفيذ الهدنة بين جميع الأطراف، كما كانت الصعوبة الرئيسية التي كانت تواجه لجنة تنفيذ الهدنة تتمثل في أن مجموع جهاز المراقبة يجب إنهاؤه وتسييره بعد بدء الهدنة، وقد كان من المستحيل اتخاذ أي استعدادات مقدماً، وقد عين الوسيط الدولي برنادوت خمس ضباط برتبة كولونيل من الجيش السويدي للاشتراك في مراقب الهدنة بصفة ممثلين شخصيين للوسيط الدولي، وكان الكولونبيل "ثورد بوند" رئيساً لهيئة أركن الحرب في شؤون مراقبة الهدنة، وطلب الوسيط الدولي من كل دولة من الدول الأعضاء في لجنة الهدنة وهي بلجيكا، والولايات المتحدة وفرنسا أن ترسل 21 ضابطاً من قواتها المسلحة ليعملوا كمراقبين. وبالفعل وصل هؤلاء المراقبين الثلاثة والستون إلى القاهرة بين يومي 11 و14 يونيو وأوفدوا إلى فلسطين وبعض الدول العربية وأرسل أيضاً سكرتير عام الأمم المتحدة في 21 يونيو 51 حارساً، انتخبوا من السكرتارية العامة للأمم المتحدة ليساعدوا المراقبين العسكريين، وطلب الوسيط الدولي أيضاً من بلجيكا والولايات المتحدة وفرنسا أن ترسل كل منها عشرة ضباط إضافيين بصفة مراقبين وارسلت الولايات المتحدة سبعون فنياً مساعداً كطيارين وميكانيكيين للطائرات وعمال لاسلكي وسائقين لسيارات وموظفين في الشؤون الصحية. ولأن الموظفين والمعدات لم تكن تكفي لمراقبة تنفيذ الهدنة فلم يكن بالمستطاع إنشاء مركز مراقبة الهدنة في جميع الموانئ والمطارات والحدود والسواحل سواء في الدول العربية السبعة أو في فلسطين، وكانت فلسطين هي مسرح الأحداث فقد كان الجهاز الرئيسي لمراقبة الهدنة في حيفا، برغم من أن المركز الرئيسي كان في أرض محايدة في "رودس"، وقسمت فلسطين إلى خمس مناطق حسب مقتضيات عمليات المراقبة وتشتمل كل منها على مركز إقليمي ورئيس ومركز أو عدة مراكز طبقاً لمقتضيات الظروف والأحوال.
سير مراقبة الهدنة الأولى
راح اليهود يستغلون الهدنة في إعادة تنظيم صفوفهم. وتدفق عليهم المقاتلون الذين سبق لهم الخدمة في الجيوش الأمريكية والبريطانية وغيرها بأعداد كبيرة، وتدفقت عليهم الأسلحة من مختلف أنحاء أوروبا بكميات هائلة، وفي هذا يقول بن جوروين: "عندما ذكر بطولة الطيارين الإسرائيليين فإننا نذكر معهم إخواننا الذين جاءوا من مختلف أقطار العالم متطوعين للاشتراك في الحرب معنا، وعلى رأس هؤلاء محاربون من أمريكا وجنوب أفريقيا وبريطانيا وكندا". وكان ميناء تل أبيب يستقبل يومياً حمولات كبيرة من العتاد الحربي وقد ظهر أثر ذلك بوضوح عند استئناف العمليات العسكرية بعد انتهاء الهدنة الأولى. وهو يوم إعلان الهدنة استغل الإسرائيليين احترام القوات المصرية لتعليمات الهدنة، وهاجموا بلدة بئر عسلوج، ولم يكن فيها قوات عسكرية مصرية تذكر للدفاع عنها. واحتلت أيضاً القوات الإسرائيلية بعض المواقع والقرى منها جسير وجوليس وأخذت تقوي دفاعاتها بعمل الدشم والخنادق وتوفير وسائل الاتصال.
أما القوات المصرية فقد كانت الأوامر الصادرة لها تنص على ضرورة إحترام قرار الهدنة وعدم البدء في أي هجوم، والاقتصار على فتح النيران فقط في حالات الدفاع عن النفس، إيماناً من مصر بأن هناك ضميراً دولياً عادلاً.
ودارت اشتباكات في فترة الهدنة سيطرت فيها القوات المصرية على مواقع بالقرب من تل أبيب نحو عشرة أميال إلى الشرق منها وتتحكم في طريق حيفا-تل أبيب، كذلك تم توسيع الممر إلى القدس، وتبقى احتلال القرى العربية في القطاع الواقع شرق اللطرون، وإيقاف الضغط على القدس، عن طريق إشغال القوات في القطاع الممتد من الرملة إلى القدس وفتح طريق إلى النقب.
وبالمقابل لم تستغل مصر، والحكومات العربية فترة الهدنة، والحقيقة أنهم لم يكونوا مهيئين للاستفادة من مثل هذه الفرصة، لأنها لم تكن حرة الإرادة، ثم لأن التناقضات بين الأنظمة بدأت تظهر بينهم، لأنها كانت أعجز من أن تحصل على السلاح لتعزيز قواتها، وكان القادة السياسيين لا يريدون دعم القادة الميدانيين للجيش لأن الدول الكبرى كانت تضغط على القادة العرب وتجبرهم على ذلك، وحتى لو أرادو تقديم الدعم لهم لأنهم يعتمدون في التسليح على الاستعمار الذي كان حريصاً على تمكين الإسرائيليين من إحراز تفوق عسكري ليتمكن من إلحاق الهزيمة بالجيش المصري بشكل خاص ليسهل بعدئذ إسكات صوت المطالبين بالجلاء عن القادة، وإخراج الجيش المصري من النقب لتمتد القوات الإسرائيلية ما بين البحرين المتوسط والأحمر. وفي خلال تنفيذ الهدنة الأولى زاد عدد حوادث انتهاك الهدنة وتقديم الشكاوى في غضون الأيام الأولى للهدنة وقبل استكمال نظام المراقبة وأثناء الأيام الأخيرة ولا ننسى أن كل طرف من الأطراف المتنازعة كانت تستعد لاستئناف القتال بمرور فترة الهدنة الأولى، وقدمت الكثير من الشكاوى المقنعة وغير المقنعة من كل طرف من الأطراف، وكلاً يتهم خصمه بانتهاك الهدنة، وقد بلغ مجموع الحوادث والشكاوى التي قدمها كلا الطرفين ما يقارب الخمسمائة شكوى أكثرها لا تستند على حقائق وغير منطقية، ولم يستطع المراقبون تحديد المسئول عن هذه الانتهاكات بشكل دقيق.
أما في المناطق الأخرى حيث سجلت انتهاكات وقدمت شكاوى وصلت إلى 258 شكوى، منها 147 من الجانب العربي، و59 من الجانب الإسرائيلي، و52 حالة من حالات خرق الهدنة وكانت متساوية بين العرب والقوات الإسرائيلية، ولكن هذه الحوادث كانت الأخطر لأنها كانت تتعلق بمهاجمة القرى واحتلالها واحتلال المرتفعات والمواقع الإستراتيجية، فمنذ بدء الهدنة الأولى كان على المراقبين أن يقوموا بتحقيقات دقيقة وشاملة برغم أنهم لا يستندون على حقائق وكل طرف يرمي اللوم على الطرف الآخر مما جعل مهمة المراقبين صعبة من حيث تحميل أي طرف المسؤولية الكاملة عن هذه الحوادث ولكن المسئول الوحيد دائماً هم الإسرائيليون لأنهم هم المحتلون لهذه الأراضي وليس لهم الحق بالعيش عليها.
اقتراح دولي لتمديد الهدنة الأولى
بدأت الهدنة الأولى في 11 يونيو 1948 لمدة أربعة أسابيع حتى 9 يوليو وليس بالمعقول أن يكون هناك تسوية للقضية الفلسطينية في هذه المدة القصيرة، وإرضاء الطرفين على كافة الحلول المقدمة، رغم تنفيذ الهدنة بطريقة مرضية بصرف النظر عن تقديم بعض الشكاوى من الطرفين وظل السؤال قائماً: إذا لم يتم اتفاق على إجراءات تمديد الهدنة هل سيستأنف القتال؟ إن قرار استئناف القتال بين الطرفين بانتهاء الهدنة في 9 يوليو سيقابل باستنكار ذلك أن أي طرف سيبدأ القتال سوف يتحمل المسئولية الكاملة، وإذا لم يتم اتفاق الطرفين على تمديد الهدنة فإن مجلس الأمن سيعاود بحث هذا الموضوع ويتخذ الإجراءات اللازمة لذلك. وكان الوسيط الدولي يرغب في الاستمرار في بذل الجهود لفض النزاع والسعي إلى حل سلمي للمشكلة وبذلك كل الجهود للوصول إلى ذلك واقترح على الطرفين في 3 يوليو 1948 تمديد الهدنة مدة ثانية. وبعد إطلاع اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية ومن بينهم مصر على الاقتراح الذي قدمه وسيط الأمم المتحدة بشأن تمديد الهدنة الاولى، درست وجهة نظره والأسباب التي جعلته يطلب التمديد، حيث ذكرت اللجنة أن الدول العربية دخلت فلسطين في 15 مايو مضطرة لكي تدافع عن الشعب الفلسطيني، ومن أجل إنقاذ أهل فلسطين من المذابح التي ترتكب بحقهم والدمار الذي أحدثته العصابات الصهيونية، وقد كأن أغلب سكان فلسطين من العرب، ولإرجاع الحقوق العربية الفلسطينية لأهلها ونشر الأمن بين الأهالي، وبدخول جيوش الجامعة العربية إلى فلسطين أنقذ الكثير من الفلسطينيين وجنبت فلسطين الكثير من الدمار وإعادة السلم وحكم القانون إلى المناطق التي استردتها الجيوش العربية. وقد احترمت الدول العربية قرار مجلس الأمن في 29 مايو بوقف القتال بالرغم من إمساكهم بناصية الأمر، وهذا لتمكين وسيط الأمم المتحدة من السعي لحل سلمي في المنطقة، ومع أنه وقع ما كان تخشاه الدول العربية من عدم احترام إسرائيل لوقف القتال واختراقها الهدنة واستمرارها في عدوانها على الشعب الفلسطيني. وقد كانت الدول العربية ومن بينهم مصر على استعدد لاستئناف القتال ولكن ليس بالشكل الكافي، وكيف أنها منيت بخيبة أمل كبيرة من الاقتراح الذي قدمه الوسيط الدولي لأنه يعتمد على أساس قرار التقسيم الذي صدر من الأمم المتحدة ولم يأت بجديد، وليس هناك أي أمل في إيجاد تسوية سلمية للقضية الفلسطينية مما يؤيد ذلك ما جاء في مذكرة الوسيط الدولي في 5 مايو المرسلة تعليقاً على مقترحات جامعة الدول العربية وعلى أنه مقتنع تماماً بقول إسرائيل فكرة قيام كيان ثقافي وسياسي منفصل وقبولهم الاندماج في دولة فلسطينية موحدة. وأن تمديد الهدنة لا يمكن الوصول إليه إلى بتسوية سلمية وليس غير ذلك، لأن التمديد يؤدي إلى إمعان العصابات الصهيونية في أعمالها التخريبية ضد الفلسطينيين، التي أدت لنزوح الكثير من عرب فلسطين إلى الدول العربية خوفاً من الدمار، على حين فتحت القادة الإسرائيليون أبواب فلسطين لهجرة اليهود إليها، ومن الطبيعي أن يرحب بتمديد الهدنة لأنا تعطيه الوقت الكافي لممارسة الإرهاب ضد الفلسطينيين وإدخال الكثير من المهاجرين إلى فلسطين.
وكانت الدول العربية راغبة في السلام وحقن الدماء ولكن إسرائيل لم تكن تريد إلى أن تشرد الفلسطينيين وتدمر فلسطين بالكامل، وهذا التصور لا يحتم على الدول العربية أن تستمر في وقف إطلاق النار بالشروط المفروضة، وإنما عليها أن تتخذ التدابير اللازمة لوقف العدوان الإسرائيلي على فلسطين. وأدرك النقراشي خطا دخول مصر الحرب بعد الهدنة الأولى، حيث صرح لعبد الرحمن عزام (الأمين العام لجامعة الدول العربية) بأن الجيش المصري ليس مستعداً للحرب وكل ما تستطيع الحكومة المصرية تقديمه هو المال فقط. أما إسرائيل فقد أبدت استعدادها لقبول التمديد، وهذا ما يؤكد أنها قد استفادت من هذه الهدنة بتحصين أماكنها الدفاعية وتنظيم صفوفها ورسم خططها المستقبلية وتهريب السلاح والذخائر والعتاد للأراضي الفلسطينية التي احتلتها وتهريب الرجال في سن حمل السلاح ودعوة اليهود للهجرة إليها.
وباقتراب انتهاء الهدنة الأولى بد أن أمر تمديدها مشكوك فيه، إذ بدأت إسرائيل تستعد لاستئناف القتال ولكن سلامة المراقبين حدث بالوسيط برنادوت، إلى المبادرة بنقل جميع الموظفين والأدوات والأجهزة في 7 يوليو تجنباً لحدوث أي أمر أو اعتداء على المراقبين والموظفين الفنيين، وقد تابعت لجنة الهدنة مهمتها في القدس تحت قيادة كولونيل سويدي كان يمثل الوسيط الدولي شخصياً، وموظف من الأمم المتحدة وثمانية حراس أيضاً، وذلك لمساعدة لجنة الهدنة ومراقبة منطقة (جبل المكبر) هذا يدل على اقتناع لجنة الهدنة وعلى رأسهم الوسيط الدولي برنادوت بأن من المستحيل أن تتم أي تسوية بين الطرفين في مدة الهدنة وهي قصيرة وبمثابة استراحة مقاتل بين الطرفين، وبينما قامت القوات الإسرائيلية في هذه الفترة بإعادة صفوفه وتنظيمها وتقوية دفاعاته، مما أتاح له استئناف القتال بقوة أكبر من قبل، لم يستفيد منه العرب كثيراً.
انتهاء الهدنة الأولى
جرى تطبيق الهدنة الأولى ولكن ليس بالشكل المفهوم للهدنة، والمقصود بذلك هو أنه وقع كثيراً جداً من الأحداث بين الطرفين وكان هذا نتيجة لمحاولات متعمدة من القوات الإسرائيلية باختراق الهدنة وتكرار هجوم القوات الإسرائيلية على أهالي فلسطين، وتحسين مراكزهم القتالية تحت ستار الهدنة، وكان تدخل المراقبين لحل هذه النزاعات فقد كانت ترجع الوضع إلى الوضع الاعتيادي، ولكن خلال الهدنة كانت اشتباكات بين الطرفين في جهات معينة، وهذا بسبب العجز الذي كان في المراقبين لأنهم كانوا لا يستطيعون الإشراف على جميع المناطق في جميع الأوقات، وقد استفادت القوات الإسرائيلية استفادة كبيرة أي أنهم كانوا في موقف دفاعي من الهجوم العربي، وقد خدمتهم الهدنة في تحصين دفاعاتهم وتنظيم صفوفهم وفي نفس الوقت أوقفت الهدنة من حدة الهجوم العربي عليهم.
المرحلة الثانية من 8 يوليو إلى 18 يوليو 1948
بعد أن قدم الوسيط الدولي برنادوت اقتراحه أواخر الهدنة الأولى بشأن تمديد وقف إطلاق النار وموافقة الإسرائيليين على تمديد الهدنة، ورفض العرب ومن ضمنهم مصر تمديدها، ولكن كان رفضهم دون أن يستعدوا للقتال كما استعدت القوات الإسرائيلية ودون أن تجري أي تعديلات لمخططاتها الحربية، أو أي خطوة لتوحيد صفوف الجيش العربي الذي كان لكل كتيبة قيادة خاصة. بمعنى أنه كان غياب واضح للاستراتيجية السياسية والعسكرية العربية. أما القوات الإسرائيلية فقد كانت مستعدة لاستئناف الحرب استعداداً كاملاً ومع أنهم كانوا راغبين في تمديد الهدنة خوفاً من بطش العرب بهم. انتهت الهدنة الأولى في تمام الساعة الثامنة من صباح يوم الجمعة 9 يوليو 1948، وكان وضع الجيش العربي في غاية اليأس والإحباط، وتجدد القتال وكانت القوات الإسرائيلية تقصد القدس لتحتلها ودافع عنها الجيش العربي بكل قوته حتى لا تدخلها القوات الإسرائيلية.
وأعيد تنظيم الجبهة المصرية وقسمت إلى عدة قطاعات، وبدأت القوات المصرية عملياتها العسكرية على طول الجبهة وتمكنت من استرجاع بلدة كوكبا بعد حصارها، واسترجعت أيضاً بلدة الحليقات، وفي 10/7/1948 تم الاستيلاء على مستعمرة كفار داروم والتي كانت تتحكم في طريق رفح، وبذلك تم تأمين طريق رفح-غزة. في 17/7/1948 صدرت الاوامر للكتيبة الأولى احتياط بمهاجمة مستعمرة الدنجور ولكن لم تنجح في ذلك وتوجهت إلى مهاجمة بئر عسلوج (التي أعاد اليهود احتلالها). كما قررت القوات المصرية استرجاع كراتيا، ولكنها لم توفق في ذلك واكتفت باسترجاع سلسلة تباب تشرف على الطريق الموصل إلى الفالوجا، ولكن في مساء الثامن عشر من يوليو 1948 صدرت الأوامر بوقف إطلاق النار تنفيذاً لقرار مجلس الأمن بقيام الهدنة الثانية.
ولكن انقلب كل هذا إلى هزيمة نتيجة سوء تقدير القادة العسكريين لقوة القوات الإسرائيلية ومدى استعدادهم للقتال، وهو ما ساهم في هزيمة القوة العربية وتقليص الأراضي العربية لصالح إسرائيل الوليدة.
الهدنة الثانية 19 يوليو 1948
عقد مجلس الأمن في الخامس عشر من يوليو 1948 جلسة برئاسة بانولسكي مندوب أوكرانيا، وحضر الجلسة الوسيط الدولي برنادوت الذي طلب من المجلس أن يتدخل بحزم لوقف القتال في فلسطين، فأصدر مجلس الأمن قراراً بوقف إطلاق النار عملاً بالمادة 40 من ميثاق الأمم المتحدة والكف عن أي عمل عسكري والأمر بوقف إطلاق النار بين الطرفين، وعلى الطرفين الالتزام بهذا القرار في أقل من ثلاثة أيام من تاريخ صدوره (18 يوليو). ويدعو القرار جميع الحكومات والسلطات المختصة إلى الإستمرار في التعاون مع الوسيط الدولي برنادوت للتوصل إلى السلم في فلسطين وفق قرار مجلس الأمن الصادر في 29 مايو 1948. وقد أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية برقية إلى الحكومات المعنية لتنفيذ القرار جاء فيها: "إن الولايات المتحدة الأمريكية في غاية الانزعاج بسبب تطور الأحداث في فلسطين، وهي تأمل أن تتعاون الحكومات العربية على تنفيذ أمر وقف القتال المقترح لجميع الجبهات في فلسطين". ولما لم يكن يهم الولايات المتحدة إلا مصلحة إسرائيل، فقد مارست ضغوطها على الحكومات العربية من ضمنهم مصر بقبول وقف القتال إلا لقناعتها التامة بأن تنفيذ وقف إطلاق النار هو في مصلحة إسرائيل، ولم تكن الحكومات العربية في وضع يسمح لها بالتمرد على إرادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وجاء في القرار على لجنة تنفيذ الهدنة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ أمر وقف القتال وعلى الوسيط متابعة الجهود لتوصل إلى السلام في فلسطين، وبمراقبة الهدنة وتقديم التقارير الكاملة والتحقيق بأي انتهاك للهدنة من كلا الطرفين وعمل كل الاجراءات اللازمة لتثبيت الهدنة وأن تظل الهدنة سارية المفعول إلى أن يتوصل الطرفان إلى تسوية سلمية للموقف في فلسطين.
وقد حدد برنادوت الساعة 17.00 من يوم 18 يوليو 1948 موعدا محدداً لبدء الهدنة الثانية في فلسطين، وفقاً لقرار مجلس الأمن المذكور، وما كاد القرار يبلغ للطرفين حتى أبرق الإسرائيليون قبولهم الهدنة، ولكن اقتصر قبول الدول العربية ومصر في بادئ الأمر على سريان الهدنة في القدس فقط دون الميادين الأخرى. ولكن إصرار مجلس الأمن على اعتبار مواصلة القتال في فلسطين تكديراً للسلم العالمي، وتهديده الصريح بتوقيع عقوبات على الدول العربية إذا رفضت وقف إطلاق النار. وبعد اجتماع اللجنة السياسية التابعة لجامعة الدول العربية في بيروت بحضور كلاً من رئيس وزراء مصر محمود النقراشي ورؤساء وزراء الأردن ولبنان والعراق، وغيرهم من الدول العربية، قرروا في 18/7/1948 قبول قرار مجلس الأمن في جميع أنحاء فلسطين، واتخذ القرار بالأكثرية وليس بالإجماع. وقد أرسل أمين عام الجامعة العربية إلى الوسيط الدولي برنادوت في رودس رسالة يبلغه فيها موافقة العرب على الهدنة.
ولم تعبأ القوات الإسرائيلية بشروط الهدنة الثانية ففي 28/7/1948 هاجمت القوات الإسرائيلية الفالوجا وقطعت الاتصالات بينها وبين عراق المنشية وتمكنوا من دخول الجزء الشرقي من البلدة، ولكن صمود المدافعين عن البلدة من القوات المصرية والأهالي المتطوعين أجبروهم على الانسحاب، وقصفت القوات الإسرائيلية عراق المنشية من جميع الجهات ولكن انسحبت من المكان بسبب التصدي له وتكبيده خسائر كبيرة. وحاولت القوات الإسرائيلية في 1/8/1948 المرور شرق الفالوجا إلى الجنوب لتموين مستعمراتها المعزولة في النقب، ولكن تراجعت بعد أن دخلت حقل ألغام ودمرت بعض مركباتها. وفي 18/8/1948 تقريباً بعد شهر من بدء الهدنة الثانية، قامت القوات الإسرائيلية بالهجوم على جبل المكبر في القدس، ولم تتمكن من احتلال لتصدي القوات المصرية والمتطوعين لها، ولكن نجحت وبعد فترات متقطعة من احتلال بعض القرى والأراضي في مناطق الخليل والقدس ورام الله وطولكرم وجنين. وفي 29/8/1948 عقد في القاهرة مؤتمر بمكتب وزير الحربية حضره هيئة أركان الجيش والجنرال لاندستروم ومسيو سكارني من مندوبي الأمم المتحدة، وقد نتج عن هذا المؤتمر السماح بتموين (بالغذاء والدواء) المستعمرات اليهودية المعزولة في النقب.
المرحلة الثالثة 19 يوليو – 5 نوفمبر 1948
بعد استئناف القتال ظهر التباين في حجم القوات والعتاد بين الجانبي الإسرائيلي والعربي وكان الجانب الإسرائيلي أقوى وكان هذا ملحوظا في ساحات القتال الدائر على أرض فلسطين. وفي 1/10/1948 قامت القوات الإسرائيلية باحتلال بلدة المحجر فقامت الكتيبة السادسة المصرية وتمكن قائدها الصاغ جمال عبد الناصر باسترداد البلدة من اليهود. كما قامت القوات الإسرائيلية بالهجوم على مواقع القوات المصرية في عراق المنشية، والفالوجا براً وجواً ولكنه لم يستطع تحقيق أهدافه. وقد قام اللواء "المواوي" بعمل الكثير من التدابير لمواجهة الموقف، فقسم الجبهة المصرية إلى 6 مناطق عسكرية، وكل منطقة قسمت إلى عدة قطاعات، وكان الهدف من هذه التقسيمات إحكام الحصار المفروض حول المستعمرات في النصف الجنوبي والسيطرة الكاملة عليها. وقامت القوات الإسرائيلية بتنفيذ عملي تجاه الجبهة المصرية في أكتوبر 1948م قد أطلق عليها قادتها اسم عملية يؤاب، وكانت على عدة مراحل: ففي المرحلة الأولى تقدمت القوات الإسرائيلية باحتلال قطاع عراق سويدان-بيت جبرين، وفي المرحلة الثانية يتم احتلال المجدل، وفي الثالثة يتم الالتفاف نحو قطاع غزة جنوباً، وبدأت عملية الهجوم على خطوط المواصلات المصرية في البداية طبقاً للخطة الموضوعة فدمرت سكة الحديد قرب رفح وزرعت الألغام على الطريق الأسفلتي الواصل إلى خان يونس، وفي 16 أكتوبر 1948 بعد أن أصبحت خطوط المواصلات مقطوعة من الشمال، لم تجد أمام القوات المصرية سوى التحول إلى الدفاع والتمسك بالمواقع التي تحتلها، واندفعت القوات الإسرائيلية تجاه بيت حانون، لعزل عراق المنشية عن بيت جبرين، وباتجاه عراق المنشية فشل الهجوم الإسرائيلي، فقد تمكنت خلالها المدفعية المصرية من صد الهجوم وتدمير عدد من آليات القوات الإسرائيلية أما في مواجهة عراق سويدان وحتى يوم 17 أكتوبر 1948 احتلت القوات الإسرائيلية أحد مواقع الجيش المصري، وكانت النتيجة أن عزلت القوات المصرية في عراق سويدان عن قواتها في منطقة المجدل، فانقسمت هذه الجبهة الرئيسية إلى قسمين منفصلين، واحتلت القوات الإسرائيلية مدينة بئر السبع بعد أن مهدوا لها بقصف جوي عنيف استمر أربع ليال متتالية من 16-20 أكتوبر، ساعدهم في ذلك سكون الجيوش العربية في الجبهات الأخرى. والحقيقة أن سقوط بئر السبع قد أدى إلى ضياع السيطرة المصرية على النقب بأكمله. وفي 22 أكتوبر 1948 أصدر مجلس الأمن قراراً بايقاف اطلاق النار إيذاناً ببدء هدنة ثالثة.
المرحلة الرابعة 6 نوفمبر 1948 – 11 يناير 1949
عقد رؤساء هيئة أركان الجيوش العربية برئاسة اللواء عثمان مهدي رئيس هيئة أركان الجيش المصري مؤتمراً في القاهرة يوم الأربعاء في 11 نوفمبر 1948 لبحث الموقف في فلسطين، وما آلت إليه حالة الجهات العسكرية ورفعوا تقريرهم إلى اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية، وحدد رؤساء الأركان في هذا المؤتمر إمكانيات جيوشهم للقتال وما يملكون من مدافع وطائرات وعتاد، والمدة التي تستطيع كل دولة أن تصمد فيها ضد القوات الإسرائيلية. ولكن بعد أن ضمنت إسرائيل وقوف الجيوش العربية داخل حدود المناطق المخصصة لها، ركز كل قواتها على الجبهة المصرية للوصول إليها، لذا تم وضع خطط لتطويق الجيش المصري، وأن القضاء على هذا الجيش كان في نظر الإسرائيليين هو الحل لقضيتهم.
وبدأت القوات الإسرائيلية بعملية جديدة في 22 ديسمبر 1948 وقد أطلق على هذه العملية اسم حوريب وكان هدفها الاستيلاء على النقب كله، وبدأ الهجوم تجاه العريش وخاصة المطار، ورفح، وخان يونس، وطريق رفح-غزة الرئيسي، وكانت القيادة المصرية قد اتخذت احتياطيات ضد الهجوم تجاه العسلوج والعوجة اللتين تقعان على الطريق المتجه من بئر السبع إلى الحدود المصرية وأصبحت المعارك الحربية مقصورة على القوات المصرية والقوات الإسرائيلية، وفي 26 ديسمبر 1948 سيطرت القوات الإسرائيلية على تبة الوادي جنوب غرب العسلوج، ومواقع أخرى بينها وبين العسلوج والعوجة، ووجهت هجوم آخر على القوات المصرية في العسلوج والعوجة التي سقطت في 27 ديسمبر 1948، وبعد يومين احتلت القوات الإسرائيلية أبو عجيلة، ثم اتجهت نحو الشمال الغربي إلى العريش لتطويق القوات المصرية المنتشرة في الغرب، إلا أنها تصدت لها كتيب مشاة مصرية التي قامت بالدفاع عن مدخل العريش، وفشلت عملية الالتفاف والتطويق، ثم استعدت القوات الإسرائيلية لتنفيذ مرحلة أخرى من عملية حوريب حيث حاولت الاستيلاء على رفع لعزل القوات المصرية في قطاع غزة منتهزين فرصة سكون الجبهات العربية لالتزامها بقرار مجلس الأمن رقم 62 الصادر في 16 نوفمبر 1948 بإقامة هدنة دائمة في جميع أنحاء فلسطين.
وقد انتهت هذه العملية بعبور القوات الإسرائيلية الحدود المصرية وأدت إلى الضغط على القوات المصرية بالانسحاب من جنوب فلسطين. وفي هذه التطورات العسكرية على الأرض أعلنت الحكومة البريطانية حينها أنها ستضطر لمساعدة مصر ما ل توقف إسرائيل عدوانها، وقد أرسلت إنذاراً إلى السلطات الإسرائيلية مفاده أن عدم انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء سيرغم بريطانيا على تطبيق معاهدة 1936. أقر مراقبو الهدنة بانسحاب جميع القوات الإسرائيلية التي كانت تسللت داخل الحدود الفلسطينية إلى الأراضي المصرية. ودفعت الولايات المتحدة قرضاً لحكومة إسرائيل المؤقتة مقابل انسحاب قواتها، وكانت عملية حوريب آخر عملية في حرب فلسطين 1948، وقد رأينا كيف أن هذه الحرب بدأت بقوة، ولكنها انتهت خلال شهور قليلة بالهزيمة المعروفة، في ظل شجاعة وبسالة الجندي المصري ولكن لم يجد ما يساعده ويقف بجواره في هذه الحرب من قبل الجيوش العربية الأخرى.
نتائج حرب فلسطين 1948
لقد تركت حرب فلسطين 1948 آثاراً عميقة على حياة جميع الدول العربية وكانت نقطة تحول كبيرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وكانت لها آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية وعسكرية، فإن أهم خسارة على الفلسطينيين هي خسارة الأرض الفلسطينية والشهداء الذين ضحوا من أجل أرض فلسطين المقدسة والمباركة، وبرزت مشكلة اللاجئين وهي كانت أهم وأخطر المشاكل التي نتجت عن الحرب.
وبالإضافة إلى ذلك أن الدولة العبرية سيطرت على الرقعة التي خصصت لها بقرار التقسيم للجمعية العامة لعام 1947، وزادت مساحتها بمقدار الثلث، أي اتسعت من أربعة عشر ألفاً وخمسمائة كيلو متر مربع (قرار التقسيم) إلى عشرين ألفاً وتسعمائة كيلو متر مربع، على حين تقلصت فلسطين من إحدى عشر وثمانمائة كيلو متر مربع إلى خمسة آلاف وأربعمائة كيلو متر مربع، وأصبحت نسبة اليهود تبلغ 3% من سكان فلسطين، ويملكون 8% من مساحتها، على حين حشر عرب فلسطين وهم يملكون 70% في مساحة 20% من أرض فلسطين.
المصادر
- ^ Karsh 2002, p. 76
- ^ A. Ilan, Bernadotte in Palestine, 1948 (Macmillan, 1989) p. 194
- ^ J. Bowyer Bell, Assassination in International Politics, International Studies Quarterly, vol. 16, March 1972, pp. 59–82.
- ^
Haberman, Clyde (22 February 1995). "Terrorism Can Be Just Another Point of View". New York Times. Retrieved 28 December 2008.
Mr. Shamir, nearly 80, still speaks elliptically about the Bernadotte assassination. Years later, when Ben-Gurion moved to a kibbutz in the Negev desert, Sdeh Bokker, one of his closest friends there was Yehoshua Cohen, who had been one of the assassins.
Review of Kati Marton's biography. - ^
Cowell, Alan (2 November 1991). "THE MIDDLE EAST TALKS: REPORTER'S NOTEBOOK; Syria Offers Old Photo To Fill an Empty Chair". The New York Times. Retrieved 28 December 2008.
In recent years, several members of the group known by the British as the Stern Gang have acknowledged responsibility for the killing. Mr. Shamir, who was a member of the Stern Gang, has declined to discuss the killing, and one of his spokesman has said he had no role in it.
- ^ "Area of Jurisdiction and Powers Ordinance (1948)". Israellawresourcecenter.org. Retrieved 18 January 2013.
- ^ Shapira, Anita. Yigal Allon; Native Son; A Biography Translated by Evelyn Abel, University of Pennsylvania Press ISBN 978-0-8122-4028-3 p. 247
- ^ Gelber, 2006, p. 33
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س Karsh 2002, p. 68
- ^ Hussein, Hussein Abu (2003). Access Denied: Palestinian Land Rights in Israel. Zed Books. p. 85. ISBN 1842771221.
- ^ "Operation Hiram". Zionism-israel.com. Retrieved 2014-06-29.
- ^ Shlomo Ben-Ami (Shlomo Ben-Ami (2006), pp. 41–42)
- ^ خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةMorris2008p320
- ^ أ ب ت خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةKarsh2002p64
- ^ Morris 2008, p. 404
- ^ Khalidi, Walid (1992). All That Remains: The Palestinian Villages Occupied and Depopulated by Israel in 1948. Institute for Palestine Studies. p. 108. ISBN 978-0-88728-224-9.
- ^ Weissenstein, Rudi; Dvir, Ori (2008). Rudi Weissenstein: Israel Early Photographs. Modan Publishing House. p. 32. ISBN 978-965-7141-10-6.
- ^ Dan, Uri (1988). To the Promised Land: The Birth of Israel. Doubleday Religious Publishing Group. p. 267. ISBN 978-0-385-24597-5.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ "Iaf V Raf". Spyflight.co.uk. Retrieved 26 June 2010.
- ^ Aloni, 2001, p. 18.
- ^ أ ب ت ث Aloni, 2001, p. 22.
- ^ Cohen, Michael Joseph: Truman and Israel (1990)
- ^ Adrian, p. 7
- ^ Adrian, p. 59