العائلة السملالية

عائلة السملالي أو آل بودميعة، هي عائلة من الأشراف السوسيين في المغرب، أسسها أبو حسون السملالي بدايات القرن السابع عشر. يمتد نسب العائلة إلى الشريف إبراهيم جنيد المعروف بكندوز، الذي استقر في منطقة سوس بالقرن الثالث الهجري. وقد برزت العائلة في التاريخ من خلال تأسيسها الإمارة السملالية في سوس أواخر عهد الدولة السعدية، والتي تزعمها أبو حسون السملالي، وحكمت منطقة تازروالت.

الأصول والنسب

تنتمي العائلة السملالية إلى الأشراف العلويين، حيث يعود نسبها إلى جدهم الأعلى الشريف إبراهيم جنيد المعروف "بكندوز". يُعد كندوز أول نزيل لقبيلة إداوسملال في سوس، وهو جد السملاليين الأحكاكيين.

الإمارة السملالية القرن 17-18

تأسست الإمارة السملالية في بداية القرن السابع عشر على يد أبو حسون السملالي،[1] في أواخر عهد الدولة السعدية، في منطقة تازروالت واتخذ من إيليغ عاصمة لها.

انبثقت إمارة إيليغ، المعروفة أيضاً بـ الإمارة السملالية، في فضاء ارتبط بواحدة من أبرز الزوايا الدينية في سوس، وهي زاوية سيدي أحمد أو موسى بتازروالت. فقد كان الشيخ أحمد أو موسى في عصره من كبار رموز التصوف بالمنطقة، واستطاعت زاويته أن تتحول إلى مركز إشعاع ديني وروحي، وفي الوقت نفسه إلى فضاء له وزن اجتماعي واقتصادي معتبر. هذا الدور المزدوج جعل من تازروالت منطقة ذات قيمة استراتيجية، وعزز مكانة أسرة الشيخ، وهو ما هيأ الأرضية لظهور مشروع سياسي محلي خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر.[2]

ومن الجدير بالذكر أن المحاولة الأولى لتجسيد هذا المشروع تعود إلى علي بن الشيخ أحمد أو موسى، الذي تمرّد حوالي عام 1597 على السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي، ونجح في بسط نفوذه على مناطق شاسعة من بلاد جزولة، كما تمكن من السيطرة على مدينة تارودانت التي كانت العاصمة الأولى للدولة السعدية. غير أنّ ثورته انتهت بالفشل بعد أن اعتقله المنصور الذهبي وأودعه السجن في تارودانت، حيث توفي لاحقاً.

وبذلك جاءت مبادرة أبي حسون السملالي بعد سنوات قليلة كاستمرار لهذا التوجه، إذ مثلت تأسيس إمارة إيليغ استكمالاً للمشروع السياسي الذي سبق أن حاول علي بن أحمد أو موسى تجسيده، لكنه لم يكتب له النجاح.[3]

اختار مؤسس الإمارة أبو حسون السملالي، المعروف بلقب بودميعة، أن يجعل من إيليغ مقرّ عاصمته الجديدة. وجاء هذا القرار بعد أن انتقلت أسرته من مقرها الأول في حصن تاجكجالت، المطل على سهول تازروالت. وتمثل إيليغ موقعاً استراتيجياً داخل المنطقة، إذ تقع على بُعد نحو 84 كيلومتراً شرق مدينة تزنيت، وتحيط بها تضاريس جبلية مهمة، من أبرزها جبال أمغسو وتوكال وجبل الإيغشانيين، وهو ما منحها طابعاً دفاعياً طبيعياً ساعد في تعزيز مكانتها كعاصمة سياسية وعسكرية للإمارة السملالية.[4]

شهدت بداية تأسيس إمارة إيليغ ظروفاً سياسية معقدة ارتبطت بالأزمة التي أعقبت وفاة السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي. فقد أدى النزاع الدموي بين أبنائه إلى إضعاف سلطة السعديين، خاصة في منطقة سوس حيث لم يتمكن المولى زيدان من بسط نفوذه. وفي هذا المناخ ظهر أبو حسون السملالي، المعروف أيضاً بعلي بودميعة، الذي وجد في الفراغ السياسي فرصة لتأسيس سلطته. فبايعه أعيان وعلماء وسكان قبائل جزولة عام 1612م، ثم دخل في صراع طويل مع أبي زكرياء يحيى الحاحي انتهى بسيطرته على تارودانت للمرة الثانية. وبعد وفاة الحاحي عام 1626م استقر له الأمر في سوس، وذاع صيته باعتباره الحاكم الفعلي للمنطقة.

واصل أبو حسون توسيع نفوذه نحو درعة، ثم امتدت سلطته إلى سجلماسة ونواحي تافيلالت، مما مكن الإمارة السملالية من التحكم في أهم الممرات التجارية بين الصحراء والداخل المغربي. وبفضل هذا التمدد الجغرافي أصبحت الإمارة تحتكر السلع الواردة من السودان الغربي، وتسيطر على الموارد المتأتية من مراسي سوس، إضافة إلى استغلال مناجم المعادن في المنطقة. كما فرضت ضرائب متنوعة على السكان، الأمر الذي عزز مواردها المالية ورسخ سلطتها السياسية والاقتصادية.[5]

خلافاً لباقي الإمارات المحلية التي ظهرت في المغرب خلال المرحلة نفسها، تميز المشروع السياسي لـأبو حسون السملالي بوضوح رؤيته في بناء سلطة مركزية متماسكة. فقد حرص على إرساء مؤسسات إمارة قوية، واتخذ لنفسه لقب السلطان إلى جانب ألقاب أخرى اشتهر بها مثل بودميعة وصاحب الساحل. ولم يقتصر نفوذه على الداخل المغربي فقط، بل تجاوزه إلى علاقات خارجية، إذ اعترفت به بعض القوى الأجنبية ودخلت معه في مفاوضات رسمية أفضت إلى عقد معاهدات تجارية. وقد وفرت له هذه الاتفاقيات موارد مالية مهمة من الأرباح الناتجة عن المبادلات التجارية، كما مكنته من الحصول على السلاح والعتاد العسكري الضروريين لحماية مجالات حكمه الشاسعة وضمان استقرارها.[6]

مع وفاة أبو حسون السملالي عام 1659م، انتقلت قيادة الإمارة السملالية إلى ابنه سيدي محمد أوعلي، لتدخل بذلك مرحلة جديدة من تاريخها تميزت بتراجع نفوذها خاصة في واحات المناطق الشرقية. ففي عام 1670م قاد المولى الرشيد بن الشريف حملة عسكرية على سوس بدافع الثأر لمقتل والده الشريف بن علي الذي كان أسيراً لدى الإمارة. وتمكّن الرشيد من السيطرة على مناطق واسعة شملت تارودانت ومنطقة هشتوكة، كما هدم عاصمة الإمارة إيليغ، مما اضطر محمد بن أبي حسون وإخوته إلى الفرار.[7]

وقد تذكر المصادر أن أبناء أبي حسون وجدوا الملجأ أولاً عند قبيلة أيت أوسا التكنتية، بينما تشير روايات أخرى إلى أنهم هاجروا نحو السودان الغربي حيث نزلوا في ضيافة ملك البامبرا بيتون كولوبالي بمدينة تومبكتو. هناك منحهم الملك حماية ودعماً مكن محمد أوعلي من تشكيل جيش ضخم قوامه آلاف العبيد، وتوجه به نحو سوس لاستعادة إمارته. غير أنّ هذه المحاولة باءت بالفشل؛ فمع وصوله إلى المنطقة في ربيع عام 1672م، اضطر الأمير السملالي إلى حلّ جيشه لعجزه عن تأمين احتياجاته، لتطوى بذلك صفحة من تاريخ الإمارة السملالية.[8]

أدى انتصار المولى الرشيد العلوي على السملاليين إلى سقوط حكمهم السياسي وانهيار كيان الإمارة السملالية، ليدخل نفوذهم مرحلة أفول واضمحلال في المجال السياسي المباشر. غير أنّ هذا التراجع لم يشمل جميع المجالات؛ إذ استمر أحفاد الشيخ أحمد أو موسى في الحفاظ على حضور قوي اجتماعياً واقتصادياً ودينياً داخل سوس. فقد ظلّت زاويتهم ومكانتهم الروحية مصدر تأثير بارز، على الرغم من ما شاب علاقتهم بسلاطين الدولة العلوية الناشئة من توتر وتنافس حول الشرعية والسلطة.

في عام 1801م، شهدت الإمارة السملالية نهضة جديدة على يد هاشم بن علي، الذي تمكن بسرعة من السيطرة على الشؤون المحلية في سوس، واستعاد ممتلكات أسرته، ليبدأ بعد ذلك في إعادة بناء إيليغ الجديدة بالقرب من أنقاض المدينة القديمة. وقد شكّل هذا العمل خطوة محورية في ترسيخ سلطة الأسرة مجددًا، وإعادة ترتيب نفوذها السياسي والاجتماعي في المنطقة.

مع تولي الحسين بن هاشم، المعروف بـ الحسين أوهاشم، قيادة الإمارة عام 1824م، شهدت سلطتها توسعًا كبيرًا، إذ استطاع أحفاد سيدي أحمد أو موسى توسيع دائرة نفوذهم في مختلف مناطق سوس، مستفيدين من انشغال السلطة المركزية بمواجهة الضغوط الأجنبية المتزايدة على البلاد آنذاك. وقد ارتبط هذا التوسع أيضًا بتعزيز النفوذ الاقتصادي للعائلة، الذي أصبح عاملاً رئيسيًا في استقرار الإمارة واستمرار تأثيرها المحلي.

وبوفاة الحسين بن هاشم عام 1886م، بدأت الإمارة السملالية الثانية مرحلة جديدة، بعد أن عيّن السلطان الحسن الأول ابنه محمد بن الحسين قائداً على قبائل تازروالت وسملالة ورسموكة والمعدر وأين رخا وتانكرت وإدا أو شكرا، ليصبح بذلك قائدًا مخزنياً يتمتع بسلطة رسمية على هذه المناطق.[9]

وعلى الرغم من التحولات التي طرأت على شكل الإمارة، استمر البعد الأميري للأسرة محافظًا على مكانته في إيليغ، وهو ما برز جليًا في عدة أحداث بارزة، منها تحالف إكَوزولن وتحكَات في سوس بقيادة محمد بن محمد بن الحسين بن هاشم لمواجهة الجيش السلطاني الذي كان يقوده الوزير باحماد في عهد السلطان المولى عبد العزيز العلوي. كما لعب احماد بن محمد، حفيد الحسين بن هاشم، دورًا طلائعياً إلى جانب والده في الدفاع عن استقلال الإمارة أمام التحديات المتزايدة وبداية الزحف الفرنسي على المنطقة. ويعكس هذا أيضًا سبب عدم استفادة الأسرة من مزايا فترة التواجد الفرنسي أثناء الحماية الفرنسية في المغرب، إذ ظلوا ملتزمين بالحفاظ على استقلال الإمارة وحرية حكمها المحلي.[10]


القرن 18-19

في ثمانينيات القرن العشرين، فتح المؤرخون أرشيفاً خاصاً للعائلة السملالية في إيليغ، بمنطقة تادروالت، الواقعة في عمق سوسة بالمغرب. كان داخل هذا الصندوق مئات الرسائل من السلطان الحسن الأول نفسه. وللتوضيح، في منتصف القرن التاسع عشر أو نحو ذلك، كان التجار الأوروپيون، وخاصة البريطانيون على وجه التحديد، يتدفقون على ساحل المحيط الأطلسي، تحديداً بالقرب من نهر واد نون. ولمواجهتهم، كانت لدى السلطان الحسن الأول فكرة رائعة. فبدلاً من اللجوء إلى ولاته في فاس أو مراكش، لجأ إلى عائلة محلية كانت ورثة أسياد تجارة القوافل القدماء، العائلة السملالية صاحبة النفوذ المستقل.

في الرسائل الأولى، اعتمد السلطان على المشاعر الشخصية، مشيراً إلى حسين بن هاشم (حسين أوهاشم)، زعيم العائلة السملالية في ذلك الوقت، كصديق عزيز. لكن تعامله مع الموقف جعل تلك الرابطة هشة للغاية لأن حسين بن هاشم كان ينفذ الأوامر الملكية فقط كلما كان ذلك يخدم مصالحه الخاصة. وكان يستخدم أحياناً القوات التي أرسلها السلطان للدفاع، كما تعلمون، عن الحدود ضد أعدائه. كما أن الثقة بين السلطان والقائد كانت ضئيلة للغاية. بدأت الرسائل تُظهر خوفاً من جانب حسين من أن رجال المخزن، رجال السلطان الحسن الأول، سينتهي بهم الأمر إلى اعتقاله. لذا، في البداية، كان تحالفاً تفاوضياً قائماً على العلاقات. لكن بحلول ثمانينيات القرن التاسع عشر أو نحو ذلك، تغير كل شيء. لأن الأوروپيين بدأوا في الجنون، وفتحوا مراكز تجارية دون سابق إنذار على الساحل، وهكذا غيّر السلطان حسن الأول استراتيجيته. ومن خلال عشرات الرسائل، بدأ في منح حسين بن هاشم المزيد والمزيد من المسؤوليات، مما جعله يكاد يكون مسؤولاً، مما سمح له بتقديم المشورة للحكام بنفسه، والتوسط في النزاعات القبلية باسمه، والإبلاغ عن التعدي البريطاني.

وعندما توفي الحسين، تغيرت اللغة أكثر. أصبح ابنه محمد مساعداً كاملاً لرجال المخزن. الآن، لم يعد السلطان يخاطب زعيم العائلة السملالية]] كصديق له، بل كخادم له. وقد نجح ذلك لأن محمدًا كان مخلصاً رافضاً العروض التجارية البريطانية.

أعلام السملاليين

المصادر

  1. ^ Un petit Royaume Berbère: "Le Tazeroualt, un saint berbère Sidi Ahmed Ou Moussa", par le Colonel Justinard. Librairie orientale et américaine (1954)
  2. ^ ناعمي مصطفى، معلمة المغرب، ج2، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ودار الأمان، ط2، 2014، ص 659.
  3. ^ حنداين محمد، المخزن وسوس (1672-1822) مساهمة في دراسة تاريخ علاقة الدولة بالجهة، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ط2، 2019، الرباط، ص 240.
  4. ^ ناعمي مصطفى، معلمة المغرب، ج2، مرجع سابق، ص 659.
  5. ^ الناصري أحمد بن خالد، الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، ج6، تحقيق وتعليق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، ص 79.
  6. ^ حنداين محمد، المخزن وسوس (1672-1822) مساهمة في دراسة تاريخ علاقة الدولة بالجهة، مرجع سابق، ص 218.
  7. ^ القبلي محمد (إشراف وتقديم)، تاريخ المغرب تحبين وتركيب، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، 2011، ص 394.
  8. ^ ناعمي مصطفى، معلمة المغرب، ج2، مرجع سابق، ص 660.
  9. ^ ناعمي مصطفى، معلمة المغرب، ج2، مرجع سابق، ص 660-661.
  10. ^ ناعمي مصطفى، معلمة المغرب، ج2، مرجع سابق، ص 661.
  11. ^ France, PASS Technologie, 26, rue Louis Braille, 75012 Paris. "Moussem Sidi Ahmed Ou Moussa". Femmes et hommes de la commune d’Ighrem. (in الفرنسية). Retrieved 2020-03-28.{{cite web}}: CS1 maint: multiple names: authors list (link) CS1 maint: numeric names: authors list (link)
  12. ^ Historique des gouvernements marocains Archived 2019-10-06 at the Wayback Machine
  13. ^ "Lamya Essemlali, Sea Shepherd". onegreenplanet.org. Retrieved 9 February 2015.