أخبار:رحيل صنع الله إبراهيم الكاتب المصري

في 13 أغسطس 2025، توفي صنع الله إبراهيم نتيجة فشل في وظائف الجهاز التنفسي وتوقف مفاجئ في عضلة القلب. كان صنع الله قد أُدخل مستشفى معهد ناصر بالقاهرة منذ أيام بعد إصابته بالتهاب رئوي حاد.[1]

الاسم: صنع الله

وُلد صنع الله إبراهيم عام 1937، وكان والده في الستين من عمره ولم يُرزق بأبناء بعد، حتى أنه احتار في اختيار اسم لطفله، فاستعان بالمصادفة، إذ وقعت يده على آية من القرآن الكريم هي: «صُنع الله الذي أتقن كل شيء»، فاختار منها الاسم.

النشاط السياسي المبكر

ولم يكن صنع الله إبراهيم قد بلغ الثانية والعشرين من عمره بعد، حتى ذاق تجربة السجن؛ إذ انضم خلال دراسته الجامعية إلى الحركة الوطنية للتحرر الوطني «حدتو» والحزب الشيوعي، فقبض عليه ضمن حملة لسجن الشيوعيين. وعن هذه التجربة، ذكر صنع الله في إحدى ندواته العامة: "كانت هذه الفترة نقطة تحول في حياتي بعدما انضممت إلى الحزب الشيوعي وحركة حدتو، واعتبرت أن الكتابة بلا أهمية، وما له أهمية وجدوى هو العمل السياسي من أجل تحقيق الديمقراطية". ويضيف: "كانت هذه فترة الزخم الثوري في مصر، سواء في تكوين الحكومة، وتأسيس الاتحاد الاشتراكي، وتكوين المقاومة الشعبية ضد الإنجليز. وقد أرسل الاتحاد الاشتراكي لنا صولاً كبيراً في السن ليدربنا على بعض الأعمال العسكرية لمقاومة الإنجليز. وقتها كنا في حي الدقي، وكان هذا هو الجزء المتعلق بالنشاط في تعاوننا مع الحكومة، بينما كان لنا نشاط آخر خاص بالحزب الشيوعي، فكنا نطبع المنشورات ونوزعها..

تلك الرائحة.. باكورة رواياته

رواية تلك الرائحة. لقراءة وتنزيل الرواية، اضغط على الصورة.

وبعد خروجه من السجن لأول مرة، كتب صنع الله واحدة من أبرز رواياته، وهي تلك الرائحة، التي صودرت بمجرد نشرها. ويكشف أنه حين عرض الرواية على يوسف إدريس، الذي كان صديقاً له رغم فارق السن، كان عنوانها طويلاً، فنصحه إدريس باختصاره إلى "تلك الرائحة"، وهو ما يصفه صنع الله بأنه كان حذفاً بليغًاً.

وعلى خلاف الرأي الشائع بين المبدعين حول استحالة اعتماد الأدب والكتابة كمصدر للرزق، يرى صنع الله أن الكاتب يستطيع تحقيق ذلك. وقال: "أشكال الكتابة وألوانها متعددة ومختلفة، من تأليف الروايات إلى كتابة المقالات والترجمة، وقد كنت أتنقّل بين هذه الألوان الكتابية جميعها".

وبين رواياته العديدة، القانون الفرنسى، شرف، نجمة أغسطس، القبعة والعمامة، بيروت.. بيروت، 1970، وذات، تبقى رواية اللجنة علامة فارقة فى عالمه السردى، فضلاً عن روايته نجمة أغسطس، التى كان يكتبها بالتزامن مع تأليفه كتاب إنسان السد العالي. وعن العملين، يقول صنع الله: "طوال الفترة التي قضيتها في السد العالي أثناء بنائه، كنت أحمل مفكرة أسجّل فيها كل ما تراه عيناي، وكل من أقابله، والمشاهد التي أراها، والأغاني التي أسمعها في الراديو، والكتب التي أقرأها قبل نومي، وقد استعنت بجميع هذه العناصر في كتابة الرواية".

علاقته بعبد الناصر

رواية 1970. لقراءة وتنزيل الرواية، اضغط على الصورة.

ورغم مرور صنع الله إبراهيم بتجربة السجن أكثر من مرة، شأنه شأن كثير من اليساريين والشيوعيين تحديداً، حتى إن الحزب حلّ نفسه على خلفية قرارات التأميم، فإن علاقته بجمال عبد الناصر ظلّت مربكة وتمثل علامة استفهام غير مفهومة، وربما كان لها منطقها الخاص. حملت أعمال صنع الله محاكمة لعصر عبد الناصر، خاصة روايتيه اللجنة وتلك الرائحة، إلا أن هناك حالة إعجاب وتقدير كان يكنّها للزعيم، وهو ما أكدته روايته الأخيرة 1970 الصادرة عام 2019، حيث روى عن العام الذي توفي فيه عبد الناصر، مستعيداً حياته، ومستعيناً بخطاب المخاطب، إذ يخاطبه نِدّاً لند، مسبغاً عليه ملامح تجعل المتلقي يتعاطف معه بل ويقع في غرامه.

أسلوبه الأدبي

الرواية المعرفية

رواية بيروت.. بيروت التي تصور أحداث من الحرب الأهلية اللبنانية. لقراءة وتنزيل الرواية، اضغط على الصورة.

الرواية المعرفية، ربما يكون أدق توصيف يمكن إطلاقه على أغلبية روايات صنع الله إبراهيم، خاصة روايات: شرف، ونجمة أغسطس، وبيروت.. بيروت، وذات، التي هاجمها بعض النقاد، حتى إن منهم من ذهب إلى القول إنها لا يمكن أن تُصنَّف كسرد روائي لما تحمله من توثيق، مغفلين مصطلح "الرواية المعرفية" كمجال أدبي يجمع بين الحقيقة والتخييل وما يقدمه هذا النوع من إمكانات. ويؤكد الروائي العراقي علي بدر ذلك في حديثه عن رواية بيروت.. بيروت، قائلاً: "قرأت كل ما كتب، وقد اقتربت من وهج تجربته عندما قرأت روايته بيروت.. بيروت، تلك التي جعلتني أعيد اكتشاف المدينة، فأتماهى مع تفاصيلها كلما زرت لبنان: الصحف المترنحة، المقاهي المرهقة، الشوارع التي تحتفظ برائحة البارود والحنين. كنت أعتبرها نصاً وثائقياً يدحر الوهم، مثلما يدحر صنع الله الخيال باللغة الصارمة المدهشة».

التوثيقية

كتاب النيل مآسي. لقراءة وتنزيل الكتاب، اضغط على الصورة.

اعتبر كثيرون أن التوثيقية التي يلجأ إليها صنع الله إبراهيم تضعف بنية السرد في أعماله، لكنه فاجأ قراءه عام 2016 بكتابه النيل مآسي، وهو عمل توثيقي بالكامل، يضم سيناريو فيلم تسجيلي عن نهر النيل. كانت البداية مطلع عام 1994 حين اتصلت به شركة إميج الفرنسية للإنتاج السينمائي، للمشاركة في مشروعها التوثيقي عن عشرة أنهار في العالم، من ضمنها نهر النيل. رحّب صنع الله بالفكرة، واتفق مع الشركة على القيام بجولة استكشافية للنيل والدول المطلة عليه. ويحكي صنع الله: "عندما استفسرت عمن سيتولى الإخراج قالوا إنه أمر قيد البحث، ولم يلبث هذا البحث أن استقر على المخرجة المصرية أسماء البكري، المعروفة بعلاقتها الوثيقة بالجالية الفرنسية في القاهرة".

عكف صنع الله إبراهيم على دراسة المراجع الضرورية لرحلته، وفي مقدمتها مؤلفات محمد عوض ورشدي سعيد وإميل لودڤيگ وآلان مورهيد. وفي صيف ذلك العام، انطلق مع أسماء البكري في رحلة إلى منابع نهر النيل. يصف صنع الله تلك التجربة قائلاً: "كانت الرحلة حافلة بلحظات التوتر؛ عندما عبرنا مستنقعات الحدود الأوغندية وحطّت جيوش ذباب التسي تسي فوق سيارتنا، وعندما انساب قاربنا على سطح بحيرة ڤيكتوريا تحت أنظار التماسيح، وأشرفنا على شلالات ريبون، وكذلك عندما وقفنا على خط الاستواء المرسوم على الأسفلت، والذي كنت أظنه خطاً افتراضياً، وعندما شهدنا التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق في الخرطوم، بل وكدنا ندخل السجن هناك أيضاً".

في كتابه مآسي النيل، المكون من 250 صفحة من القطع المتوسط، مرفقة بملف صور، يوثق صنع الله إبراهيم رحلة النيل التي قام بها، من منبعه في قمة جبال رونزوري المتوجة بالجليد طوال العام، والممتدة فوق خط الاستواء مباشرة على الحدود بين أوغندا وزائير. وعندما يذوب الجليد، تندفع مياه الأمطار في شلالات صاخبة لتغذي عدة بحيرات: بحيرة إدوارد، وبحيرة ألبرت، وبحيرة جورج، وهي المصدر الرئيس لمياه النيل. يحمل عنوان الكتاب النيل مآسي خلاصة الجغرافيا التاريخية للرحلة التي يقطعها النيل من منبعه حتى مصبه في البحر المتوسط. كما يوثق لتاريخ القارة الأفريقية الأسود مع الرجل الأبيض، ذلك الماضي الحافل بأحط أشكال الاستنزاف والنهب الممنهج وإفقار القارة البكر، منذ بدايات حركة الكشوف الجغرافية التي قادتها الپرتغال وإسپانيا وهولندا، وصولاً إلى فرنسا والمملكة المتحدة.[2]

في البداية، روّج الرجل الأبيض لخطاب المهام النبيلة عن تغيير العالم، وحمل الوثنيين الأفارقة على الإيمان واتباع طريق الرب، فكان التاجر والكاهن في طليعة الحملات التي شنّها الأوروپي الغربي على الشعوب الإفريقية. ورغم أن الاستعمار العسكري المباشر قد انحسر عن القارة، فإنه ترك خلفه مئات من مسامير جحا؛ ذيوله أو صنائعه أو وكلاءه في الحكم، بدءًا من صندوق النقد الدولي، مروراً بجنرالات الماس الدموي وإجبار الأطفال على الإدمان لتحويلهم إلى آلات قتل بشرية بلا إحساس أو وعي، وصولاً إلى الحدود المصطنعة التي خلفها الأوروپي وراءه بين القبائل والشعوب الأفريقية.

قال صنع الله: "فجأة نتوقف أمام تل صغير، تعلوه لوحة كتب عليها: هنا دُفن 2827 قتيلاً، ضحايا النزاع الرواندي في أغسطس 1997. كيف تراكم هذا القدر من الحقد في بلد صغير كهذا. الأوروپيون الذين دخلوا رواندا قبل قرابة مائة عام وجدوا مجتمعاً تحكمه طبقة من رعاة الماشية طوال القامة من التوتسي، بينما كان الهوتو — الأكثر سواداً وامتلاءً — يفلحون الأرض. ولم يكن هناك عداء بين الجانبين إلا بعد قدوم النظام الاستعماري، أولًا على يد الألمان، ثم البلجيك الذين احتضنوا التوتسي ودعموهم كعملاء لهم في حكم الهوتو. كما يتناول الكتاب الانقلاب العسكري على الرئيس السوداني جعفر نميري عام 1985، الذي أتاح للبلاد أربع سنوات من حياة ديمقراطية آمنة، عادت خلالها الأحزاب والنقابات التي كان نميري قد حظرها، بل وأضيفت إليها كيانات جديدة، أبرزها أول نقابة من نوعها في العالم، وهي نقابة لمن قُطعت أيديهم في ظل تطبيق نميري للشريعة الإسلامية.

يلفت صنع الله إلى ظهور الجبهة الإسلامية واستيلائها على الحكم، مما أشعل الحرب الأهلية من جديد. وكعادته، استعان بأرشيفه السياسي الإخباري، فوثّق المشهد تحت عنوان "الشارع في الخرطوم"، حيث رصد لافتات تحمل آيات قرآنية إلى جانب إعلانات لكوكاكولا وپپسي، فضلاً عن مظاهر الحجاب الإسلامي، وشرطة الانضباط المخصصة للقبض على السافرات أو من ترتدي البنطال من النساء. كما تناول قضية يهود الفلاشا الإثيوپيين الذين جرى تهجيرهم إلى إسرائيل في عملية سُمّيت عملية موسى، وبلغ عدد من تم نقلهم 30.000 يهودي، وذلك بعد أن تقلصت المعونات السوڤيتية للرئيس منگستو هايله مريم . ويعلّق صنع الله ساخراً: "اكتشف يهود الفلاشا فجأة أن إله موسى أبيض اللون يفضل مؤمنين من نفس اللون"، في إشارة إلى التمييز العنصري الذي يواجهه الفلاشا في إسرائيل.

أعماله

رواياته

قصص للأطفال

ترجمة

  • التجربة الأنثوية: مختارات من الأدب النسائي العالمي، جمع وترجمة صنع الله إبراهيم.
  • العدو: جيمس دروت، ترجمة صنع الله إبراهيم.
  • الحمار: گونتر دي بروين، ترجمة صنع الله إبراهيم.

جوائز وتكريمات

نال صنع الله إبراهيم العديدَ من الجوائز العربية البارزة، منها:


انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "«توقف مفاجئ في عضلة القلب».. تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة صنع الله إبراهيم". جريدة المصري اليوم. 2025-08-13. Retrieved 2025-08-13.
  2. ^ "صنع الله.. الضمير الحى الذى ناضل ليكتب عن مصر الحقيقية". جريدة الدستور. 2025-08-13. Retrieved 2025-08-13.
  3. ^ "صنع الله إبراهيم". هنداوي. Retrieved 2025-08-13.